١٨٠ - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قال: أَخْبَرَنَا النَّضْرُ، قال: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ الْحَكَمِ، عَنْ ذَكْوَانَ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَرْسَلَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَجَاءَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لَعَلَّنَا أَعْجَلْنَاكَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِذَا أُعْجِلْتَ أَوْ قُحِطْتَ فَعَلَيْكَ الْوُضُوءُ.
تَابَعَهُ وَهْبٌ، قال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قال أَبُو عَبْد اللَّهِ: وَلَمْ يَقُلْ غُنْدَرٌ وَيَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ: الْوُضُوءُ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ) كَذَا فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ وَغَيْرِهَا، زَادَ الْأَصِيلِيُّ هُوَ ابْنُ مَنْصُورٍ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ بَهْرَامٍ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِالْكَوْسَجِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَبُو نُعَيْمٍ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا النَّضْرُ) هُوَ ابْنُ شُمَيْلٍ بِالْمُعْجَمَةِ مُصَغَّرًا، وَالْحَكَمُ هُوَ ابْنُ عُتَيْبَةَ بِمُثَنَّاةٍ وَمُوَحَّدَةٍ مُصَغَّرًا.
قَوْلُهُ: (أَرْسَلَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ) وَلِمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ مَرَّ بِهِ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ، وَهَذَا الْأَنْصَارِيُّ سَمَّاهُ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عِتْبَانَ وَهُوَ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ خَفِيفَةٍ، وَلَفْظُهُ مِنْ رِوَايَةِ شَرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ، قال: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَى قُبَاءٍ، حَتَّى إِذَا كُنَّا فِي بَنِي سَالِمٍ وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى بَابِ عِتْبَانَ فَخَرَجَ يَجُرُّ إِزَارَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَعْجَلْنَا الرَّجُلَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَاهُ. وَعِتْبَانُ الْمَذْكُورُ هُوَ ابْنُ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيُّ كَمَا نَسَبَهُ بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ فِي رِوَايَتِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ فِي صَحِيحِ أَبِي عَوَانَةَ أَنَّهُ ابْنُ عِتْبَانَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَرَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، لَكِنَّهُ قال: فَهَتَفَ بِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ يُقَالُ لَهُ صَالِحٌ، فَإِنْ حُمِلَ عَلَى تَعَدُّدِ الْوَاقِعَةِ وَإِلَّا فَطَرِيقُ مُسْلِمٍ أَصَحُّ. وَقَدْ وَقَعَتِ الْقِصَّةُ أَيْضًا لِرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وغَيْرِهِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، وَلَكِنَّ الْأَقْرَبَ فِي تَفْسِيرِ الْمُبْهَمِ الَّذِي فِي الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ عِتْبَانُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (يَقْطُرُ)؛ أَيْ: يَنْزِلُ مِنْهُ الْمَاءُ قَطْرَةً قَطْرَةً مِنْ أَثَرِ الْغُسْلِ.
قَوْلُهُ: (لَعَلَّنَا أَعْجَلْنَاكَ)؛ أَيْ: عَنْ فَرَاغِ حَاجَتِكَ مِنَ الْجِمَاعِ، وَفِيهِ جَوَازُ الْأَخْذِ بِالْقَرَائِنِ؛ لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ لَمَّا أَبْطَأَ عَنِ الْإِجَابَةِ مُدَّةَ الِاغْتِسَالِ خَالَفَ الْمَعْهُودَ مِنْهُ وَهُوَ سُرْعَةُ الْإِجَابَةِ لِلنَّبِيِّ ﷺ، فَلَمَّا رَأَى عَلَيْهِ أَثَرَ الْغُسْلِ دَلَّ عَلَى أَنَّ شُغْلَهُ كَانَ بِهِ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ نَزَعَ قَبْلَ الْإِنْزَالِ لِيُسْرِعَ الْإِجَابَةَ، أَوْ كَانَ أَنْزَلَ فَوَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ ذَلِكَ.
وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الدَّوَامِ عَلَى الطَّهَارَةِ لِكَوْنِ النَّبِيِّ ﷺ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ تَأْخِيرَ إِجَابَتِهِ، وَكَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ إِيجَابِهَا، إِذِ الْوَاجِبُ لَا يُؤَخَّرُ لِلْمُسْتَحَبِّ. وَقَدْ كَانَ عِتْبَانُ طَلَبَ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ أَنْ يَأْتِيَهُ فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ فِي مَكَانٍ يَتَّخِذُهُ مُصَلًّى فَأَجَابَهُ، كَمَا سَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هِيَ هَذِهِ الْوَاقِعَةُ، وَقَدَّمَ الِاغْتِسَالَ لِيَكُونَ مُتَأَهِّبًا لِلصَّلَاةِ مَعَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (إِذَا أُعْجِلْتَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْجِيمِ، وَفِي أَصْلِ أَبِي ذَرٍّ إِذَا عُجِّلْتَ بِلَا هَمْزٍ، وَقُحِطْتَ وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ أُقْحِطْتَ بِوَزْنِ أُعْجِلْتَ، وَكَذَا لِمُسْلِمٍ. قال صَاحِبُ الْأَفْعَالِ: يُقَالُ: أَقَحَطَ الرَّجُلُ إِذَا جَامَعَ وَلَمْ يُنْزِلْ. وَحَكَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ، عَنِ ابْنِ الْخَشَّابِ أَنَّ الْمُحَدِّثِينَ يَقُولُونَ: قَحَطَ بِفَتْحِ الْقَافِ، قال: وَالصَّوَابُ الضَّمُّ. قُلْتُ: وَرِوَايَتُهُ فِي أَمَالِي أَبِي عَلِيٍّ الْقَالِيِّ بِالْوَجْهَيْنِ فِي الْقَافِ، وَبِزِيَادَةِ الْهَمْزَةِ الْمَضْمُومَةِ، يُقَالُ: قَحَطَ النَّاسُ وَأُقْحِطُوا إِذَا حُبِسَ عَنْهُمُ الْمَطَرُ، وَمِنْهُ اسْتُعِيرَ ذَلِكَ لِتَأَخُّرِ الْإِنْزَالِ. قال الْكِرْمَانِيُّ: لَيْسَ قَوْلُهُ أَوْ لِلشَّكِّ بَلْ هُوَ لِبَيَانِ عَدَمِ الْإِنْزَالِ سَوَاءٌ كَانَ بِحَسَبِ أَمْرٍ مِنْ ذَاتِ الشَّخْصِ أَمْ لَا، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ إِحْدَاهُمَا بِالتَّعْدِيَةِ وَإِلَّا فَهِيَ لِلشَّكِّ.
قَوْلُهُ: (تَابَعَهُ وَهْبٌ) أَيِ: ابْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، وَالضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى النَّضْرِ، وَمُتَابَعَةُ وَهْبٍ وَصَلَهَا أَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ فِي مُسْنَدِهِ، عَنْ زِيَادِ بْنِ أَيُّوبَ عَنْهُ.