الْحَاكِمُ فِي الْإِكْلِيلِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ رَجُلًا جَاءَ بِخَاتَمٍ وَجَدَهُ بِالْحِجْرِ فِي بُيُوتِ الْمُعَذَّبِينَ فَأَعْرَضَ عَنْهُ النَّبِيُّ ﷺ وَاسْتَتَرَ بِيَدِهِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ وَقَالَ: أَلْقِهِ. فَأَلْقَاهُ، لَكِنَّ إِسْنَادَهُ ضَعِيفٌ، وَسَيَأْتِي نَهْيُهُ ﷺ أَنْ يُسْتَقَى مِنْ مِيَاهِهِمْ فِي كِتَابِ أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: (لَا يُصِيبُكُمْ) بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّ لَا نَافِيَةٌ وَالْمَعْنَى لِئَلَّا يُصِيبَكُمْ. وَيَجُوزُ الْجَزْمُ عَلَى أَنَّهَا نَاهِيَةٌ وَهُوَ أَوْجَهُ، وَهُوَ نَهْيٌ بِمَعْنَى الْخَبَرِ. وَلِلْمُصَنِّفِ فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ أَنْ يُصِيبَكُمْ أَيْ خَشْيَةَ أَنْ يُصِيبَكُمْ، وَوَجْهُ هَذِهِ الْخَشْيَةِ أَنَّ الْبُكَاءَ يَبْعَثهُ عَلَى التَّفَكُّرِ وَالِاعْتِبَارِ، فَكَأَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِالتَّفَكُّرِ فِي أَحْوَالٍ تُوجِبُ الْبُكَاءَ مِنْ تَقْدِيرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى أُولَئِكَ بِالْكُفْرِ مَعَ تَمْكِينِهِ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِمْهَالِهِمْ مُدَّةً طَوِيلَةً ثُمَّ إِيقَاعِ نِقْمَتِهِ بِهِمْ وَشِدَّةِ عَذَابِهِ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ مُقَلِّبُ الْقُلُوبِ فَلَا يَأْمَنُ الْمُؤْمِنُ أَنْ تَكُونَ عَاقِبَتُهُ إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ.
وَالتَّفَكُّرُ أَيْضًا فِي مُقَابَلَةِ أُولَئِكَ نِعْمَة اللَّهِ بِالْكُفْرِ وَإِهْمَالِهِمْ إِعْمَالَ عُقُولِهِمْ فِيمَا يُوجِبُ الْإِيمَانَ بِهِ وَالطَّاعَةَ لَهُ، فَمَنْ مَرَّ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيمَا يُوجِبُ الْبُكَاءَ اعْتِبَارًا بِأَحْوَالِهِمْ فَقَدْ شَابَهَهُمْ فِي الْإِهْمَالِ، وَدَلَّ عَلَى قَسَاوَةِ قَلْبِهِ وَعَدَمِ خُشُوعِهِ، فَلَا يَأْمَنُ أَنْ يَجُرَّهُ ذَلِكَ إِلَى الْعَمَلِ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ فَيُصِيبَهُ مَا أَصَابَهُمْ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ اعْتِرَاضُ مَنْ قَالَ: كَيْفَ يُصِيبُ عَذَابُ الظَّالِمِينَ مَنْ لَيْسَ بِظَالِمٍ؟ لِأَنَّهُ بِهَذَا التَّقْرِيرِ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَصِيرَ ظَالِمًا فَيُعَذَّبَ بِظُلْمِهِ.
وَفِي الْحَدِيثِ الْحَثُّ عَلَى الْمُرَاقَبَةِ، وَالزَّجْرُ عَنِ السُّكْنَى فِي دِيَارِ الْمُعَذَّبِينَ، وَالْإِسْرَاعُ عِنْدَ الْمُرُورِ بِهَا، وَقَدْ أُشِيرَ إِلَى ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ﴾
٥٤ - بَاب الصَّلَاةِ فِي الْبِيعَةِ
وَقَالَ عُمَرُ ﵁: إِنَّا لَا نَدْخُلُ كَنَائِسَكُمْ مِنْ أَجْلِ التَّمَاثِيلِ الَّتِي فِيهَا الصُّوَرُ وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُصَلِّي فِي الْبِيعَةِ إِلَّا بِيعَةً فِيهَا تَمَاثِيلُ
٤٣٤ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ كَنِيسَةً رَأَتْهَا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ يُقَالُ لَهَا: مَارِيَةُ، فَذَكَرَتْ لَهُ مَا رَأَتْ فِيهَا مِنْ الصُّوَرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أُولَئِكَ قَوْمٌ إِذَا مَاتَ فِيهِمْ الْعَبْدُ الصَّالِحُ - أَوْ الرَّجُلُ الصَّالِحُ - بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ.
قَوْلُهُ: (بَابُ الصَّلَاةِ فِي الْبِيعَةِ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ تَحْتَانِيَّةٌ: مَعْبَدٌ لِلنَّصَارَى. قَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ، الْبِيعَةُ صَوْمَعَةُ الرَّاهِبِ. وَقِيلَ كَنِيسَةُ النَّصَارَى وَالثَّانِي هُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَيَدْخُلُ فِي حُكْمِ الْبِيعَةِ الْكَنِيسَةُ وَبَيْتُ الْمِدْرَاسِ وَالصَّوْمَعَةُ وَبَيْتُ الصَّنَمِ وَبَيْتُ النَّارِ وَنَحْوُ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ عُمَرُ: إِنَّا لَا نَدْخُلُ كَنَائِسَكُمْ) وَفِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ: كَنَائِسَهُمْ.
قَوْلُهُ: (مِنْ أَجَلِ التَّمَاثِيلِ) هُوَ جَمْعُ تِمْثَالٍ بِمُثَنَّاةٍ ثُمَّ مُثَلَّثَةٍ بَيْنَهُمَا مِيمٌ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الصُّورَةِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقٌ فَالصُّورَةُ أَعَمُّ.
قَوْلُهُ: (الَّتِي فِيهَا) الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى الْكَنِيسَةِ، وَالصُّوَرِ بِالْجَرِّ عَلَى أَنَّهَا بَدَلٌ مِنَ التَّمَاثِيلِ أَوْ بَيَانٌ لَهَا، أَوْ بِالنَّصْبِ عَلَى الِاخْتِصَاصِ، أَوْ بِالرَّفْعِ أَيْ أَنَّ التَّمَاثِيلَ مُصَوَّرَةٌ وَالضَّمِيرُ عَلَى هَذَا لِلتَّمَاثِيلِ، وَفِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ وَالصُّوَرُ بِزِيَادَةِ الْوَاوِ الْعَاطِفَةِ. وَهَذَا الْأَثَرُ وَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عُمَرُ الشَّامَ صَنَعَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ النَّصَارَى طَعَامًا وَكَانَ مِنْ عُظَمَائِهِمْ وَقَالَ: أُحِبُّ أَنْ تَجِيئَنِي وَتُكْرِمَنِي. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إِنَّا لَا نَدْخُلُ