قَوْلُهُ: (بَابُ السُّهُولَةِ وَالسَّمَاحَةِ فِي الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ مُرَتَّبًا أَوْ غَيْرَ مُرَتَّبٍ، وَيُحْتَمَلُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا، إِذِ السُّهُولَةُ وَالسَّمَاحَةُ مُتَقَارِبَانِ فِي الْمَعْنَى فَعَطْفُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ مِنَ التَّأْكِيدِ اللَّفْظِيِّ وَهُوَ ظَاهِرُ حَدِيثِ الْبَابِ، وَالْمُرَادُ بِالسَّمَاحَةِ تَرْكُ الْمُضَاجَرَةِ وَنَحْوِهَا لَا الْمُكَايَسَةِ فِي ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ طَلَبَ حَقًّا فَلْيَطْلُبْهُ فِي عَفَافٍ) أَيْ: عَمَّا لَا يَحِلُّ، أَشَارَ بِهَذَا الْقَدْرَ إِلَى مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ مَرْفُوعًا: مَنْ طَلَبَ حَقًّا فَلْيَطْلُبْهُ فِي عَفَافٍ وَافٍ أَوْ غَيْرَ وَافٍ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ) بِالتَّحْتَانِيَّةِ وَالْمُعْجَمَةِ.
قَوْلُهُ: (رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا) يَحْتَمِلُ الدُّعَاءَ وَيَحْتَمِلُ الْخَبَرَ، وَبِالْأَوَّلِ جَزَمَ ابْنُ حَبِيبٍ الْمَالِكِيُّ، وَابْنُ بَطَّالٍ وَرَجَّحَهُ الدَّاوُدِيُّ، وَيُؤَيِّدُ الثَّانِيَ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِلَفْظِ: غَفَرَ اللَّهُ لِرَجُلٍ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانَ سَهْلًا إِذَا بَاعَ الْحَدِيثَ، وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ قَصَدَ رَجُلًا بِعَيْنِهِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ، قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: ظَاهِرُهُ الْإِخْبَارُ لَكِنَّ قَرِينَةَ الِاسْتِقْبَالِ الْمُسْتَفَادُ مِنْ إِذَا تَجْعَلُهُ دُعَاءً وَتَقْدِيرُهُ: رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا يَكُونُ كَذَلِكَ، وَقَدْ يُسْتَفَادُ الْعُمُومُ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِالشَّرْطِ.
قَوْلُهُ: (سَمْحًا) بِسُكُونِ الْمِيمِ وَبِالْمُهْمَلَتَيْنِ أَيْ: سَهْلًا، وَهِيَ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ تَدُلُّ عَلَى الثُّبُوتِ، فَلِذَلِكَ كَرَّرَ أَحْوَالَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّقَاضِي، وَالسَّمْحُ الْجَوَادُ، يُقَالُ سَمْحٌ بِكَذَا إِذَا جَادَ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْمُسَاهَلَةُ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا اقْتَضَى) أَيْ: طَلَبَ قَضَاءَ حَقِّهِ بِسُهُولَةٍ وَعَدَمِ إِلْحَافٍ، فِي رِوَايَةٍ حَكَاهَا ابْنُ التِّينِ: وَإِذَا قَضَى أَيْ: أَعْطَى الَّذِي عَلَيْهِ بِسُهُولَةٍ بِغَيْرِ مَطْلٍ، وَلِلتِّرْمِذِيِّ، وَالْحَاكِمِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ سَمْحَ الْبَيْعِ سَمْحَ الشِّرَاءِ سَمْحَ الْقَضَاءِ وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ رَفَعَهُ: أَدْخَلَ اللَّهُ الْجَنَّةَ رَجُلًا كَانَ سَهْلًا مُشْتَرِيًا وَبَائِعًا وَقَاضِيًا وَمُقْتَضِيًا وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو نَحْوُهُ وَفِيهِ الْحَضُّ عَلَى السَّمَاحَةِ فِي الْمُعَامَلَةِ وَاسْتِعْمَالِ مَعَالِي الْأَخْلَاقِ وَتَرْكُ الْمُشَاحَةِ وَالْحَضُّ عَلَى تَرْكِ التَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ فِي الْمُطَالَبَةِ وَأَخْذُ الْعَفْوِ مِنْهُمْ.
١٧ - بَاب مَنْ أَنْظَرَ مُوسِرًا
٢٠٧٧ - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ أَنَّ رِبْعِيَّ بْنَ حِرَاشٍ حَدَّثَهُ أَنَّ حُذَيْفَةَ ﵁ حَدَّثَهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ تَلَقَّتْ الْمَلَائِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فقَالُوا: أَعَمِلْتَ مِنْ الْخَيْرِ شَيْئًا؟ قَالَ: كُنْتُ آمُرُ فِتْيَانِي أَنْ يُنْظِرُوا وَيَتَجَاوَزُوا عَنْ الْمُوسِرِ. قَالَ فَتَجَاوَزُوا عَنْهُ. قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: وَقَالَ أَبُو مَالِكٍ عَنْ رِبْعِيٍّ كُنْتُ أُيَسِّرُ عَلَى الْمُوسِرِ وَأُنْظِرُ الْمُعْسِرَ. وَتَابَعَهُ شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ رِبْعِيٍّ. وَقَالَ أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ رِبْعِيٍّ: أُنْظِرُ الْمُوسِرَ وَأَتَجَاوَزُ عَنْ الْمُعْسِرِ وَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ رِبْعِيٍّ فَأَقْبَلُ مِنْ الْمُوسِرِ وَأَتَجَاوَزُ عَنْ الْمُعْسِرِ.
[الحديث ٢٠٧٧ - طرفاه في: ٢٣٩١، ٣٤٥١]
قَوْلُهُ: (بَابُ مَنْ أَنْظَرَ مُوسِرًا) أَيْ: فَضْلُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَحُكْمُهُ. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حَدِّ الْمُوسِرِ: فَقِيلَ: مَنْ عِنْدَهُ مُؤْنَتُهُ وَمُؤْنَةُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ: مَنْ عِنْدَهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا أَوْ قِيمَتُهَا