عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: مَعْنَى قَوْلِهِ: فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ أَيْ أَظْهَرَ مَا جَازَاهُ بِهِ عِنْدَ مَلَائِكَتِهِ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارِ بَدَلَ فَغَفَرَ لَهُ فَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ حِبَّانَ.
قَوْلُهُ: (قَالُوا) سُمِّيَ مِنْ هَؤُلَاءِ السَّائِلِينَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ حِبَّانَ.
قَوْلُهُ: (وَإِنَّ لَنَا) هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى شَيْءٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ الْأَمْرُ كَمَا ذَكَرْتَ وَإِنَّ لَنَا (فِي الْبَهَائِمِ) أَيْ فِي سَقْيِ الْبَهَائِمِ أَوِ الْإِحْسَانِ إِلَى الْبَهَائِمِ (أَجْرًا).
قَوْلُهُ: (فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٍ) أَيْ كُلُّ كَبِدٍ حَيَّةٍ، وَالْمُرَادُ رُطُوبَةُ الْحَيَاةِ، أَوْ لِأَنَّ الرُّطُوبَةَ لَازِمَةٌ لِلْحَيَاةِ فَهُوَ كِنَايَةٌ، وَمَعْنَى الظَّرْفِيَّةِ هُنَا أَنْ يُقَدَّرَ مَحْذُوفٌ، أَيِ الْأَجْرُ ثَابِتٌ فِي إِرْوَاءِ كُلِّ كَبِدٍ حَيَّةٍ، وَالْكَبِدُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ فِي سَبَبِيَّةً كَقَوْلِكَ فِي النَّفْسِ الدِّيَةُ، قَالَ الدَّاوُدِيُّ: الْمَعْنَى فِي كُلٍّ كَبِدٍ حَيٍّ أَجْرٌ وَهُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْحَيَوَانِ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ: هَذَا الْحَدِيثُ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَقَدْ أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: فِي كُلِّ كَبِدٍ فَمَخْصُوصٌ بِبَعْضِ الْبَهَائِمِ مِمَّا لَا ضَرَرَ فِيهِ، لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِقَتْلِهِ كَالْخِنْزِيرِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْوَى لِيَزْدَادَ ضَرَرُهُ، وَكَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ: إِنَّ عُمُومَهُ مَخْصُوصٌ بِالْحَيَوَانِ الْمُحْتَرَمِ وَهُوَ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِقَتْلِهِ فَيَحْصُلُ الثَّوَابُ بِسَقْيِهِ، وَيَلْتَحِقُ بِهِ إِطْعَامُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الْإِحْسَانِ إِلَيْهِ.
وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: لَا يَمْتَنِعُ إِجْرَاؤُهُ عَلَى عُمُومِهِ، يَعْنِي فَيُسْقَى ثُمَّ يُقْتَلُ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِأَنْ نُحْسِنَ الْقِتْلَةَ وَنُهِينَا عَنِ الْمُثْلَةِ. وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى طَهَارَةِ سُؤْرِ الْكَلْبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِي ذَلِكَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ. وَمِمَّا قِيلَ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنِ اسْتَدَلَّ بِهِ: إِنَّهُ فِعْلُ بَعْضِ النَّاسِ وَلَا يَدْرِي هَلْ هُوَ كَانَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ أَمْ لَا، وَالْجَوَابُ أَنَّا لَمْ نَحْتَجَّ بِمُجَرَّدِ الْفِعْلِ الْمَذْكُورِ بَلْ إِذَا فَرَّعْنَا عَلَى أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا فَإِنَّا لَا نَأْخُذُ بِكُلِّ مَا وَرَدَ عَنْهُمْ، بَلْ إِذَا سَاقَهُ إِمَامُ شَرْعِنَا مَسَاقَ الْمَدْحِ إِنْ عُلِمَ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِقَيْدٍ صَحَّ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ.
وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ السَّفَرِ مُنْفَرِدًا وَبِغَيْرِ زَادٍ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ فِي شَرْعِنَا مَا إِذَا لَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ الْهَلَاكَ. وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى الْإِحْسَانِ إِلَى النَّاسِ، لِأَنَّهُ إِذَا حَصَلَتِ الْمَغْفِرَةُ بِسَبَبِ سَقْيِ الْكَلْبِ فَسَقْيُ الْمُسْلِمِ أَعْظَمُ أَجْرًا. وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ لِلْمُشْرِكِينَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ مَا إِذَا لَمْ يُوجَدْ هُنَاكَ مُسْلِمٌ فَالْمُسْلِمُ أَحَقُّ، وَكَذَا إِذَا دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ الْبَهِيمَةِ وَالْآدَمِيِّ الْمُحْتَرَمِ وَاسْتَوَيَا فِي الْحَاجَةِ فَالْآدَمِيُّ أَحَقُّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ حَدِيثَيْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ عُمَرَ فِي قِصَّةِ الْمَرْأَةِ الَّتِي رَبَطَتِ الْهِرَّةَ حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتِ النَّارَ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ، وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ أَسْمَاءَ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا فِي أَوَائِلِ صِفَةِ الصَّلَاةِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّ مَعْنَ بْنَ عِيسَى تَفَرَّدَ بِذِكْرِهِ فِي الْمُوَطَّأِ، قَالَ: وَرَوَاهُ فِي غَيْرِ الْمُوَطَّأِ ابْنُ وَهْبٍ، وَالْقَعْنَبِيُّ، وَابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، وَمُطَرِّفٍ، ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ طُرُقِهِمْ. وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَعْنٍ، بْنِ وَهْبٍ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ الْقَعْنَبِيِّ. وَمُنَاسَبَةُ حَدِيثِ الْهِرَّةِ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ عُوقِبَتْ عَلَى كَوْنِهَا لَمْ تَسْقِهَا، فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهَا لَوْ سَقَتْهَا لَمْ تُعَذَّبْ. قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى تَحْرِيمِ قَتْلِ مَنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِقَتْلِهِ عَطَشًا وَلَوْ كَانَ هِرَّةً. وَلَيْسَ فِيهِ ثَوَابُ السَّقْيِ وَلَكِنْ كَفَى بِالسَّلَامَةِ فَضْلًا.
١٠ - بَاب مَنْ رَأَى أَنَّ صَاحِبَ الْحَوْضِ وَالْقِرْبَةِ أَحَقُّ بِمَائِهِ
٣٢٦٦ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ﵁ قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِقَدَحٍ فَشَرِبَ، وَعَنْ يَمِينِهِ غُلَامٌ هُوَ أَحْدَثُ الْقَوْمِ، وَالْأَشْيَاخُ عَنْ يَسَارِهِ، قَالَ: يَا غُلَامُ