أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ يَشْهَدُ الْجُمُعَةَ مِنَ الزَّاوِيَةَ وَهِيَ عَلَى فَرْسَخَيْنِ مِنْ الْبَصْرَةِ، وَهَذَا يَرُدُّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الزَّاوِيَةَ مَوْضِعٌ بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ كَانَ فِيهِ قَصْرٌ لِأَنَسٍ عَلَى فَرْسَخَيْنِ مِنْهَا، وَيُرَجَّحُ الِاحْتِمَالُ الثَّانِي، وَعُرِفَ بِهَذَا أَنَّ التَّعْلِيقَ الْمَذْكُورَ مُلَفَّقٌ مِنْ أَثَرَيْنِ، وَلَا يُعَارِضُ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ ثَابِتٍ قَالَ: كَانَ أَنَسٌ يَكُونُ فِي أَرْضِهِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَصْرَةِ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ فَيَشْهَدُ الْجُمُعَةَ بِالْبَصْرَةِ لِكَوْنِ الثَّلَاثَةِ أَمْيَالٍ فَرْسَخًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ يُجْمَعُ بِأَنَّ الْأَرْضَ الْمَذْكُورَةَ غَيْرُ الْقَصْرِ، وَبِأَنَّ أَنَسًا كَانَ يَرَى التَّجْمِيعَ حَتْمًا إِنْ كَانَ عَلَى فَرْسَخٍ وَلَا يَرَاهُ حَتْمًا إِذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَلِهَذَا لَمْ يَقَعْ فِي رِوَايَةِ ثَابِتٍ التَّخْيِيرُ فِي رِوَايَةِ حُمَيْدٍ.
قَوْلُهُ. (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ) كَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ، وَوَافَقَهُ ابْنُ السَّكَنِ، وعند غَيْرِهِمَا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ غَيْرُ مَنْسُوبٍ، وَجَزَمَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ بِأَنَّهُ ابْنُ عِيسَى، وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ وَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ لَطِيفَةٌ، وَهُوَ أَنَّ فِيهِ ثَلَاثَةً دُونَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ، وَثَلَاثَةً فَوْقَهُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ.
قَوْلُهُ: (يَنْتَابُونَ الْجُمُعَةَ) أَيْ يَحْضُرُونَهَا نَوْبًا، وَالِانْتِيَابُ افْتِعَالٌ مِنَ النَّوْبَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ يَتَنَاوَبُونَ.
قَوْلُهُ: (وَالْعَوَالِيَ) تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا فِي الْمَوَاقِيتِ وَأَنَّهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ فَصَاعِدًا مِنَ الْمَدِينَةِ.
قَوْلُهُ: (فَيَأْتُونَ فِي الْغُبَارِ فَيُصِيبُهُمُ الْغُبَارُ) كَذَا وَقَعَ لِلْأَكْثَرِ، وَعِنْدَ الْقَابِسِيِّ: فَيَأْتُونَ فِي الْعَبَاءِ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمَدِّ وَهُوَ أَصْوَبُ، وَكَذَا هُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ.
قَوْلُهُ: (إِنْسَانٌ مِنْهُمْ) لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ، وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ نَاسٌ مِنْهُمْ.
قَوْلُهُ: (لَوْ أَنَّكُمْ تَطَهَّرْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هَذَا) لَوْ لِلتَّمَنِّي فَلَا تَحْتَاجُ إِلَى جَوَابٍ، أَوْ لِلشَّرْطِ وَالْجَوَابُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ لَكَانَ حَسَنًا. وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ أَنَّ هَذَا كَانَ مَبْدَأَ الْأَمْرِ بِالْغُسْلِ لِلْجُمُعَةِ، وَلِأَبِي عَوَانَةَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوُهُ، وَصَرَّحَ فِي آخِرِهِ بِأَنَّهُ ﷺ قَالَ حِينَئِذٍ مَنْ جَاءَ مِنْكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ وَقَدِ اسْتَدَلَّتْ بِهِ عَمْرَةُ عَلَى أَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ شُرِعَ لِلتَّنْظِيفِ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ، فَعَلَى هَذَا فَمَعْنَى قَوْلِهِ لِيَوْمِكُمْ هَذَا أَيْ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ أَيْضًا رِفْقُ الْعَالِمِ بِالْمُتَعَلِّمِ، وَاسْتِحْبَابُ التَّنْظِيفِ لِمُجَالَسَةِ أَهْلِ الْخَيْرِ، وَاجْتِنَابُ أَذَى الْمُسْلِمِ بِكُلِّ طَرِيقٍ، وَحِرْصُ الصَّحَابَةِ عَلَى امْتِثَالِ الْأَمْرِ وَلَوْ شَقَّ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فِيهِ رَدٌّ عَلَى الْكُوفِيِّينَ حَيْثُ لَمْ يُوجِبُوا الْجُمُعَةَ عَلَى مَنْ كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ، كَذَا قَالَ. وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا عَلَى أَهْلِ الْعَوَالِي مَا تَنَاوَبُوا وَلَكَانُوا يَحْضُرُونَ جَمِيعًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
١٦ - بَاب وَقْتُ الْجُمُعَةِ إِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ
وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، وَعَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ ﵃
٩٠٣ - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَمْرَةَ عَنْ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَتْ: قَالَتْ عَائِشَةُ ﵂: كَانَ النَّاسُ مَهَنَةَ أَنْفُسِهِمْ، وَكَانُوا إِذَا رَاحُوا إِلَى الْجُمُعَةِ رَاحُوا فِي هَيْئَتِهِمْ، فَقِيلَ لَهُمْ: لَوْ اغْتَسَلْتُمْ.
[الحديث ٩٠٣ - طرفه في ٢٠٧١]
٩٠٤ - حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ قَالَ حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ﵁ " أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ حِينَ تَمِيلُ الشَّمْسُ "