بِإِلْقَاءِ وَلَدِهَا فِي الْبَحْرِ بِمُجَرَّدِ الْوَحْيِ إِلَيْهَا بِذَلِكَ، قَالَ: وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَرْيَمَ وَالْأَنْبِيَاءَ بَعْدَهَا ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ﴾ فَدَخَلَتْ فِي عُمُومِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِنْ فَضَائِلِ آسِيَةَ امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ أَنَّهَا اخْتَارَتِ الْقَتْلَ عَلَى الْمُلْكِ وَالْعَذَابَ فِي الدُّنْيَا عَلَى النَّعِيمِ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ، وَكَانَتْ فِرَاسَتُهَا فِي مُوسَى ﵇ صَادِقَةً حِينَ قَالَتْ: ﴿قُرَّتُ عَيْنٍ لِي﴾
٣٣ - بَاب ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى﴾ الْآيَةَ
﴿لَتَنُوءُ﴾ لَتُثْقِلُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿أُولِي الْقُوَّةِ﴾ لَا يَرْفَعُهَا الْعُصْبَةُ مِنْ الرِّجَالِ، يُقَالُ: ﴿الْفَرِحِينَ﴾ الْمَرِحِينَ، ﴿وَيْكَأَنَّ اللَّهَ﴾ مِثْلُ: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ﴾ وَيُوَسِّعُ عَلَيْهِ وَيُضَيِّقُ.
قَوْلُهُ: (بَابُ ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى﴾ الْآيَةَ) هُوَ قَارُونُ بْنُ يصفد بْنِ يصهر ابْنِ عَمِّ مُوسَى، وَقِيلَ: كَانَ عَمَّ مُوسَى، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ فَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ ابْنَ عَمِّ مُوسَى قَالَ: وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ، وَإِبْرَاهِيمُ، النَّخَعِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ، وَسِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، وَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ بَغْيِ قَارُونَ فَقِيلَ: الْحَسَدُ، لِأَنَّهُ قَالَ: ذَهَبَ مُوسَى وَهَارُونُ بِالْأَمْرِ فَلَمْ يَبْقَ لِي شَيْءٌ. وَقِيلَ إنَّهُ وَاطَأَ امْرَأَةً مِنَ الْبَغَايَا أَنْ تَقْذِفَ مُوسَى بِنَفْسِهَا فَأَلْهَمَهَا اللَّهُ أَنِ اعْتَرَفَتْ بِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي حَمَلَهَا عَلَى ذَلِكَ. وَقِيلَ الْكِبْرُ لِأَنَّهُ طَغَى بِكَثْرَةِ مَالِهِ. وَقِيلَ هُوَ أَوَّلُ مَنْ أَطَالَ ثِيَابَهُ حَتَّى زَادَتْ عَلَى قَامَتِهِ شِبْرًا.
قَوْلُهُ: ﴿لَتَنُوءُ﴾ لَتَثْقُلَ) هُوَ تَفْسِيرُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَوْرَدَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: ﴿مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ﴾ يَقُولُ تَثْقُلُ.
قَوْلُهُ: (قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أُولِي الْقُوَّةِ لَا يَرْفَعُهَا الْعُصْبَةُ مِنَ الرِّجَالِ) وَاخْتُلِفَ فِي الْعُصْبَةِ فَقِيلَ عَشَرَةٌ، وَقِيلَ: خَمْسَةَ عَشَرَ، وَقِيلَ: أَرْبَعُونَ، وَقِيلَ: مِنْ عَشَرَةٍ إِلَى أَرْبَعِينَ.
قَوْلُهُ: ﴿الْفَرِحِينَ﴾ الْمَرِحِينَ) هُوَ تَفْسِيرُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَوْرَدَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ أَيِ الْمَرِحِينَ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يَبْطَرُونَ فَلَا يَشْكُرُونَ اللَّهَ عَلَى نِعَمِهِ.
قَوْلُهُ: (وَيْكَأَنَّ اللَّهَ، مِثْلُ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ) هُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ:
وَيْكَأَنَّ مَنْ يَكُنْ لَهُ نَشَبٌ يُحْبَبْ … وَمَنْ يَفْتَقِرْ يَعِشْ عَيْشَ ضُرّ
وَذَهَبَ قُطْرُبٌ إِلَى أَنَّ وَيْ كَلِمَةُ تَفَجُّعٍ وَكَأَنَّ حَرْفُ تَشْبِيهٍ، وَعَنِ الْفَرَّاءِ هِيَ كَلِمَةٌ مَوْصُولَةٌ.
قَوْلُهُ: ﴿يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ﴾ يُوَسِّعُ عَلَيْهِ وَيُضَيِّقُ) قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ يُوَسِّعُ وَيُكْثِرُ، وَفِي قَوْلِهِ: وَيَقْدِرُ هُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ﴾ أَيْ ضَاقَ.
(تَنْبِيهٌ):
لَمْ يَذْكُرِ الْمُصَنِّفُ فِي قِصَّةِ قَارُونَ إِلَّا هَذِهِ الْآثَارَ، وَهِيَ ثَابِتَةٌ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي، وَالْكُشْمِيهَنِيِّ فَقَطْ. وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ مُوسَى يَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ بِكَذَا حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى قَارُونَ فَقَالَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: إِنَّ مُوسَى يَقُولُ: مَنْ زَنَى رُجِمَ، فَتَعَالَوْا نَجْعَلُ لِبَغِيٍّ شَيْئًا حَتَّى تَقُولَ إِنَّ مُوسَى فَعَلَ بِهَا فَيُرْجَمُ فَنَسْتَرِيحُ مِنْهُ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ، فَلَمَّا خَطَبَهُمْ مُوسَى قَالُوا لَهُ: وَإِنْ كُنْتَ أَنْتَ قَالَ: وَإِنْ كُنْتُ أَنَا. فَقَالُوا: فَقَدْ زَنَيْتَ، فجزع، فَأَرْسَلُوا إِلَى الْمَرْأَةِ فَلَمَّا جَاءَتْ عَظُمَ عَلَيْهَا مُوسَى، وَسَأَلَهَا بِالَّذِي فَلَقَ الْبَحْرَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا صَدَقَتْ، فَأَقَرَّتْ بِالْحَقِّ، فَخَرَّ مُوسَى سَاجِدًا يَبْكِي، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: إِنِّي أَمَرْتُ الْأَرْضَ أَنْ تُطِيعَكَ