للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَوْلُهُ: (بَابُ لِيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ فَإِنَّهُ لَا مُكْرِهَ لَهُ) الْمُرَادُ بِالْمَسْأَلَةِ الدُّعَاءُ، وَالضَّمِيرَانِ لِلَّهِ - تَعَالَى -، أَوِ الْأَوَّلُ ضَمِيرُ الشَّأْنِ، وَالثَّانِي لِلَّهِ - تَعَالَى - جَزْمًا، وَمُكْرِهَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَالِثِهِ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ) هُوَ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ عُلَيَّةَ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ هُوَ ابْنُ صُهَيْبٍ، وَنُسِبَ فِي رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ وَغَيْرِهِ.

قَوْلُهُ: (فَلْيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ) فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ الْمَذْكُورِ الدُّعَاءَ وَمَعْنَى الْأَمْرِ بِالْعَزْمِ الْجِدُّ فِيهِ، وَأَنْ يَجْزِمَ بِوُقُوعِ مَطْلُوبِهِ، وَلَا يُعَلِّقَ ذَلِكَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ - تَعَالَى -، وَإِنْ كَانَ مَأْمُورًا فِي جَمِيعِ مَا يُرِيدُ فِعْلَهُ أَنْ يُعَلِّقَهُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَقِيلَ: مَعْنَى الْعَزْمِ أَنْ يُحْسِنَ الظَّنَّ بِاللَّهِ فِي الْإِجَابَةِ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَقُولَنَّ: اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ فَأَعْطِنِي) فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ بَعْدَهُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ، اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ، وَزَادَ فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الْآتِيَةِ فِي التَّوْحِيدِ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي إِنْ شِئْتَ، وَهَذِهِ كُلُّهَا أَمْثِلَةٌ، وَرِوَايَةُ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ تَتَنَاوَلُ جَمِيعَ مَا يُدْعَى بِهِ. وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ مِينَاءَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: لِيَعْزِمْ فِي الدُّعَاءِ، وَلَهُ مِنْ رِوَايَةِ الْعَلَاءِ: لِيَعْزِمْ وَلْيُعَظِّمِ الرَّغْبَةَ وَمَعْنَى قَوْلِهِ: لِيُعَظِّمِ الرَّغْبَةَ أَيْ: يُبَالِغْ فِي ذَلِكَ بِتَكْرَارِ الدُّعَاءِ وَالْإِلْحَاحِ فِيهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْأَمْرُ بِطَلَبِ الشَّيْءِ الْعَظِيمِ الْكَثِيرِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي آخِرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ: فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ.

قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ لَا مُسْتَكْرِهَ لَهُ) فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَإِنَّهُ لَا مُكْرِهَ لَهُ وَهُمَا بِمَعْنًى، وَالْمُرَادُ أَنَّ الَّذِي يَحْتَاجُ إِلَى التَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ مَا إِذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ يَتَأَتَّى إِكْرَاهُهُ عَلَى الشَّيْءِ، فَيُخَفِّفُ الْأَمْرَ عَلَيْهِ، وَيَعْلَمُ بِأَنَّهُ لَا يَطْلُبُ مِنْهُ ذَلِكَ الشَّيْءَ إِلَّا بِرِضَاهُ، وَأَمَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ فَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ فَلَيْسَ لِلتَّعْلِيقِ فَائِدَةٌ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى أَنَّ فِيهِ صُورَةَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنِ الْمَطْلُوبِ وَالْمَطْلُوبِ مِنْهُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَطَاءِ بْنِ مِينَاءَ: فَإِنَّ اللَّهَ صَانِعٌ مَا شَاءَ، وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَاءِ: فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ أَعْطَاهُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ أَعْطِنِي إِنْ شِئْتَ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ مُسْتَحِيلٌ لَا وَجْهَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفْعَلُ إِلَّا مَا شَاءَهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ حَمَلَ النَّهْيَ عَلَى التَّحْرِيمِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَحَمَلَ النَّوَوِيُّ النَّهْيَ فِي ذَلِكَ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَهُوَ أَوْلَى، وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَيَأْتِي فِي حَدِيثِ الِاسْتِخَارَةِ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلدَّاعِي أَنْ يَجْتَهِدَ فِي الدُّعَاءِ، وَيَكُونَ عَلَى رَجَاءِ الْإِجَابَةِ، وَلَا يَقْنَطَ مِنَ الرَّحْمَةِ؛ فَإِنَّهُ يَدْعُو كَرِيمًا، وَقَدْ قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدًا الدُّعَاءَ مَا يَعْلَمُ فِي نَفْسِهِ - يَعْنِي مِنَ التَّقْصِيرِ - فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَجَابَ دُعَاءَ شَرِّ خَلْقِهِ وَهُوَ إِبْلِيسُ حِينَ قَالَ: ﴿رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: مَعْنَى قَوْلِهِ: لِيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ أَنْ يَجْتَهِدَ وَيُلِحَّ، وَلَا يَقُلْ: إِنْ شِئْتَ كَالْمُسْت ثْنِي،

وَلَكِنْ دُعَاءُ الْبَائِسِ الْفَقِيرِ.

قُلْتُ: وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: كَالْمُسْتَثْنِي إِلَى أَنَّهُ إِذَا قَالَهَا عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّكِ لَا يُكْرَهُ، وَهُوَ جَيِّدٌ.

٢٢ - بَاب يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَعْجَلْ

٦٣٤٠ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ؛ يَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي.

قَوْلُهُ: (بَابُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ) أَيْ: إِذَا دَعَا (مَا لَمْ يَعْجَلْ) وَالتَّعْبِيرُ بِالْعَبْدِ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي إِدْرِيسَ، كَمَا سَأُنَبِّهُ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ) هُوَ سَعْدُ بْنُ عُبَيْدٍ.

قَوْلُهُ: (مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ) اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ.

قَوْلُهُ: (يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ) أَيْ: يُجَابُ دُعَاؤُهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي التَّفْسِيرِ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: ﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ﴾

قَوْلُهُ: (يَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي) فِي رِوَايَةٍ غَيْرِ أَبِي ذَرٍّ: فَيَقُولُ بِزِيَادَةِ فَاءٍ وَاللَّامُ مَنْصُوبَةٌ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: الْمَعْنَى أَنَّهُ يَسْأَمُ