هُوَ ابْنُ سَلَامٍ نَسَبَهُ ابْنُ السَّكَنِ، وَالْغَرَضُ مِنْهُ قَوْلُهُ فِيهِ وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ أَيْ مِثْلُ مَا ذُكِرَ مِنَ الْوَعِيدِ فِي حَقِّ مَنْ أَحْدَثَ فِي الْمَدِينَةِ حَدَثًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِصَدْرِ التَّرْجَمَةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ فَأَشَارَ بِهِ إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي فَضْلِ الْمَدِينَةِ فِي أَوَاخِرِ الْحَجِّ ; وَيَأْتِي بِهَذَا اللَّفْظِ بَعْدَ خَمْسَةِ أَبْوَابٍ، وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ: أَدْنَاهُمْ أَيْ أَقَلُّهُمْ كُلُّ وَضِيعٍ بِالنَّصِّ وَكُلُّ شَرِيفٍ بِالْفَحْوَى فَدَخَلَ فِي أَدْنَاهُمُ الْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ.
فَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَتَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَأَمَّا الْعَبْدُ فَأَجَازَ الْجُمْهُورُ أَمَانَهُ قَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ قَاتَلَ جَازَ أَمَانُهُ وَإِلَّا فَلَا، وَقَالَ سَحْنُونٌ: إِذَا أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي الْقِتَالِ صَحَّ أَمَانُهُ وَإِلَّا فَلَا. وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ أَمَانَ الصَّبِيِّ غَيْرُ جَائِزٍ قُلْتُ: وَكَلَامُ غَيْرِهِ يُشْعِرُ بِالتَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمُرَاهِقِ وَغَيْرِهِ وَكَذَلِكَ الْمُمَيِّزُ الَّذِي يَعْقِلُ، وَالْخِلَافُ عَنِ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. وَأَمَّا الْمَجْنُونُ فَلَا يَصِحُّ أَمَانُهُ بِلَا خِلَافٍ كَالْكَافِرِ. لَكِنْ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إِنْ غَزَا الذِّمِّيُّ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَأَمَّنَ أَحَدًا فَإِنْ شَاءَ الْإِمَامُ أَمْضَاهُ وَإِلَّا فَلْيَرُدَّهُ إِلَى مَأْمَنِهِ، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ اسْتَثْنَى مِنَ الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ الْأَسِيرَ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ فَقَالَ: لَا يَنْفُذُ أَمَانُهُ، وَكَذَلِكَ الْأَجِيرُ. وَقَدْ مَضَى كَثِيرٌ مِنْ فَوَائِدِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي فَضْلِ الْمَدِينَةِ، وَتَأْتِي بَقِيَّتُهُ فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
١١ - بَاب إِذَا قَالُوا صَبَأْنَا وَلَمْ يُحْسِنُوا أَسْلَمْنَا
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ فَجَعَلَ خَالِدٌ يَقْتُلُ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ
وَقَالَ عُمَرُ: إِذَا قَالَ مَتْرَسْ فَقَدْ آمَنَهُ، إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ الْأَلْسِنَةَ كُلَّهَا. وَقَالَ: تَكَلَّمْ لَا بَأْسَ.
قَوْلُهُ: (بَابُ إِذَا قَالُوا) أَيِ الْمُشْرِكُونَ حِينَ يُقَاتِلُونَ (صَبَأْنَا) أَيْ وَأَرَادُوا الْإِخْبَارَ بِأَنَّهُمْ أَسْلَمُوا (وَلَمْ يُحْسِنُوا أَسْلَمْنَا) أَيْ جَرْيًا مِنْهُمْ عَلَى لُغَتِهِمْ، هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ كَافِيًا فِي رَفْعِ الْقِتَالِ عَنْهُمْ أَمْ لَا؟ قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: مَقْصُودُ التَّرْجَمَةِ أَنَّ الْمَقَاصِدَ تُعْتَبَرُ بِأَدَاتِهَا كَيْفَمَا كَانَتِ الْأَدِلَّةُ لَفْظِيَّةً أَوْ غَيْرَ لَفْظِيَّةٍ بِأَيِّ لُغَةٍ كَانَتْ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَجَعَلَ خَالِدٌ يَقْتُلُ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدُ) هَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ أَخْرَجَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ مِنَ الْمَغَازِي، وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى هُنَاكَ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ غَزَا بِأَمْرِ النَّبِيِّ ﷺ قَوْمًا فَقَالُوا: صَبَأْنَا وَأَرَادُوا أَسْلَمْنَا، فَلَمْ يَقْبَلْ خَالِدٌ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَقَتَلَهُمْ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ ﷺ ذَلِكَ فَأَنْكَرَهُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يُكْتَفَى مِنْ كُلِّ قَوْمٍ بِمَا يُعْرَفُ مِنْ لُغَتِهِمْ. وَقَدْ عَذَرَ النَّبِيُّ ﷺ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فِي اجْتِهَادِهِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَقُدْ مِنْهُ. وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: لَا خِلَافَ أَنَّ الْحَاكِمَ إِذَا قَضَى بِجَوْرٍ أَوْ بِخِلَافِ قَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ مَرْدُودٌ، لَكِنْ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الِاجْتِهَادِ فَإِنَّ الْإِثْمَ سَاقِطٌ، وَأَمَّا الضَّمَانُ فَيَلْزَمُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَهْلُ الرَّأْيِ وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ: مَا كَانَ فِي قَتْلٍ أَوْ جِرَاحٍ فَفِي بَيْتِ الْمَالِ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ وَصَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ: عَلَى الْعَاقِلَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَا يَلْزَمُ فِيهِ ضَمَانٌ. وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِي ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ، وَهَذَا مِنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُتَمَسَّكُ بِهَا فِي أَنَّ الْبُخَارِيَّ يُتَرْجِمُ بِبَعْضِ مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ وَإِنْ لَمْ يُورِدْهُ فِي تِلْكَ التَّرْجَمَةِ فَإِنَّهُ تَرْجَمَ بِقَوْلِهِ صَبَأْنَا وَلَمْ يُورِدْهَا، وَاكْتَفَى بِطَرَفِ الْحَدِيثِ الَّذِي وَقَعَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ عُمَرُ: إِذَا قَالَ مَتْرَس فَقَدْ أَمَّنَهُ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ الْأَلْسِنَةَ كُلَّهَا) وَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي وَائِلٍ قَالَ جَاءَنَا كِتَابُ عُمَرَ وَنَحْنُ نُحَاصِرُ قَصْرَ فَارِسَ فَقَالَ: إِذَا حَاصَرْتُمْ قَصْرًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute