للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ لَيْسَ مِنَ الظَّنِّ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَقَامِ التَّحْذِيرِ مِنْ مِثْلِ مَنْ كَانَ حَالُهُ كَحَالِ الرَّجُلَيْنِ، وَالنَّهْيُ إِنَّمَا هُوَ عَنِ الظَّنِّ السُّوءِ بِالْمُسْلِمِ السَّالِمِ فِي دِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِنَّا كُنَّا إِذَا فَقَدْنَا الرَّجُلَ فِي عِشَاءِ الْآخِرَةِ أَسَأْنَا بِهِ الظَّنَّ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَغِيبُ إِلَّا لِأَمْرٍ سَيِّئٍ إِمَّا فِي بَدَنِهِ وَإِمَّا فِي دِينِهِ.

٦٠ - بَاب سَتْرِ الْمُؤْمِنِ عَلَى نَفْسِهِ

٦٠٦٩ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ ابْنِ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ، فَيَقُولَ: يَا فُلَانُ، عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ.

٦٠٧٠ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ: كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ فِي النَّجْوَى؟ قَالَ: يَدْنُو أَحَدُكُمْ مِنْ رَبِّهِ حَتَّى يَضَعَ كَنَفَهُ عَلَيْهِ، فَيَقُولُ: عَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، وَيَقُولُ: عَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيُقَرِّرُهُ ثُمَّ يَقُولُ: إِنِّي سَتَرْتُ عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا؛ فَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ.

قَوْلُهُ: (بَابُ سَتْرِ الْمُؤْمِنِ عَلَى نَفْسِهِ) أَيْ إِذَا وَقَعَ مِنْهُ مَا يُعَابُ فَيُشْرَعُ لَهُ وَيُنْدَبُ لَهُ.

قَوْلُهُ: (عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) هُوَ الْأُوَسِيُّ.

قَوْلُهُ: (عَنِ ابْنِ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيُّ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ، وَقَدْ رَوَى إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ نَفْسِهِ الْكَبِيرِ، وَرُبَّمَا أَدْخَلَ بَيْنَهُمَا وَاسِطَةً مِثْلُ هَذَا.

قَوْلُهُ: (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) فِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ.

قَوْلُهُ: (كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى) بِفَتْحِ الْفَاءِ مَقْصُورٌ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنَ الْعَافِيَةِ، وَهُوَ إِمَّا بِمَعْنَى عَفَا اللَّهُ عَنْهُ، وَإِمَّا سَلَّمَهُ اللَّهُ وَسَلِمَ مِنْهُ.

قَوْلُهُ: (إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَمُسْتَخْرِجِي الْإِسْمَاعِيلِيِّ، وَأَبِي نُعَيْمٍ بِالنَّصْبِ، وَفِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ إِلَّا الْمُجَاهِرُونَ بِالرَّفْعِ وَعَلَيْهَا شَرْحُ ابْنِ بَطَّالٍ، وَابْنِ التِّينِ، وَقَالَ: وكَذَا وَقَعَ، وَصَوَابُهُ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ بِالنَّصْبِ، وَأَجَازَ الْكُوفِيُّونَ الرَّفْعَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ، كَذَا قَالَ، قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: إِلَّا عَلَى هَذَا بِمَعْنَى لَكِنْ، وَعَلَيْهَا خَرَّجُوا قِرَاءَةَ ابْنِ كَثِيرٍ، وَأَبِي عَمْرٍو: ﴿وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلا امْرَأَتَكَ﴾؛ أَيْ لَكِنِ امْرَأَتكَ، ﴿إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ﴾ وَكَذَلِكَ هُنَا الْمَعْنَى. لَكِنِ الْمُجَاهِرُونَ بِالْمَعَاصِي لَا يُعَافُونَ، فَالْمُجَاهِرُونَ مُبْتَدَأٌ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ. وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: حَقُّ الْكَلَامِ النَّصْبُ إِلَّا أَنْ يُقَالَ الْعَفْوُ بِمَعْنَى التَّرْكِ وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ النَّفْيِ، وَمُحَصَّلُ الْكَلَامِ وَاحِدٍ مِنَ الْأُمَّةِ يُعْفَى عَنْ ذَنْبِهِ وَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقَ الْمُعْلِنَ اهـ.

وَاخْتَصَرَهُ مِنْ كَلَامِ الطِّيبِيِّ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: كَتَبَ فِي نُسْخَةِ الْمَصَابِيحِ الْمُجَاهِرُونَ بِالرَّفْعِ وَحَقُّهُ النَّصْبُ، وَأَجَابَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْمَصَابِيحِ بِأَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ مُعَافًى وَهُوَ فِي مَعْنَى النَّفْيِ، أَيْ كُلُّ أُمَّتِي لَا ذَنْبَ عَلَيْهِمْ إِلَّا الْمُجَاهِرُونَ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: والْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ: الْمَعْنَى