للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْمُؤْمِنِ، أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ؟ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وهو يُؤَيِّدُ رِوَايَةَ الْبَزَّارِ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فَوَقَعَ التَّشْبِيهُ بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَةِ أَنَّ أَصْلَ دِينِ الْمُسْلِمِ ثَابِتٌ، وَأَنَّ مَا يَصْدُرُ عَنْهُ مِنَ الْعُلُومِ وَالْخَيْرِ قُوتٌ لِلْأَرْوَاحِ مُسْتَطَابٌ، وَأَنَّهُ لَا يَزَالُ مَسْتُورًا بِدِينِهِ، وَأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِكُلِّ مَا يَصْدُرُ عَنْهُ حَيًّا وَمَيِّتًا، انْتَهَى.

وَقَالَ غَيْرُهُ: وَالْمُرَادُ بِكَوْنِ فَرْعِ الْمُؤْمِنِ فِي السَّمَاءِ رَفْعُ عَمَلِهِ وَقَبُولُهُ، وَرَوَى الْبَزَّارُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : مِثْلُ الْمُؤْمِنِ مِثْلُ النَّخْلَةِ، مَا أَتَاكَ مِنْهَا نَفَعَكَ هَكَذَا أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَقَدْ أَفْصَحَ بِالْمَقْصُودِ بِأَوْجَزِ عِبَارَةٍ. وَأَمَّا مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَوْقِعَ التَّشْبِيهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالنَّخْلَةِ مِنْ جِهَةِ كَوْنِ النَّخْلَةِ إِذَا قُطِعَ رَأْسُهَا مَاتَتْ، أَوْ لِأَنَّهَا لَا تَحْمِلُ حَتَّى تُلَقَّحَ، أَوْ لِأَنَّهَا تَمُوتُ إِذَا غَرِقَتْ، أَوْ لِأَنَّ لِطَلْعِهَا رَائِحَةَ مَنِيِّ الْآدَمِيِّ، أَوْ لِأَنَّهَا تَعْشَقُ، أَوْ لِأَنَّهَا تَشْرَبُ مِنْ أَعْلَاهَا، فَكُلُّهَا أَوْجُهٌ ضَعِيفَةٌ ; لِأَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ مِنَ الْمُشَابِهَاتِ مُشْتَرِكٌ فِي الْآدَمِيِّينَ لَا يَخْتَصُّ بِالْمُسْلِمِ، وَأَضْعَفُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ لِكَوْنِهَا خُلِقَتْ مِنْ فَضْلَةِ طِينِ آدَمَ فَإِنَّ الْحَدِيثَ فِي ذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَفِيهِ ضَرْبٌ الْأَمْثَالِ وَالْأَشْبَاهِ لِزِيَادَةِ الْإِفْهَامِ، وَتَصْوِيرُ الْمَعَانِي لِتَرْسَخَ فِي الذِّهْنِ، وَلِتَحْدِيدِ الْفِكْرِ فِي النَّظَرِ فِي حُكْمِ الْحَادِثَةِ. وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ تَشْبِيهَ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ نَظِيرَهُ مِنْ جَمِيعِ وُجُوهِهِ، فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يُمَاثِلُهُ شَيْءٌ مِنَ الْجَمَادَاتِ وَلَا يُعَادِلُهُ. وَفِيهِ تَوْقِيرُ الْكَبِيرِ، وَتَقْدِيمُ الصَّغِيرِ أَبَاهُ فِي الْقَوْلِ، وَأَنَّهُ لَا يُبَادِرُهُ بِمَا فَهِمَهُ وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ الصَّوَابُ. وَفِيهِ أَنَّ الْعَالِمَ الْكَبِيرَ قَدْ يَخْفَى عَلَيْهِ بَعْضُ مَا يُدْرِكُهُ مَنْ هُوَ دُونَهُ ; لِأَنَّ الْعِلْمَ مَوَاهِبُ، وَاللَّهُ يُؤْتِي فَضْلَهُ مَنْ يَشَاءُ. وَاسْتَدَلَّ بِهِ مَالِكٌ عَلَى أَنَّ الْخَوَاطِرَ الَّتِي تَقَعُ فِي الْقَلْبِ مِنْ مَحَبَّةِ الثَّنَاءِ عَلَى أَعْمَالِ الْخَيْرِ لَا يَقْدَحُ فِيهَا إِذَا كَانَ أَصْلُهَا لِلَّهِ، وَذَلِكَ مُسْتَفَادٌ مِنْ تَمَنِّي عُمَرَ الْمَذْكُورِ، وَوَجْهُ تَمَنِّي عُمَرَ مَا طُبِعَ الْإِنْسَانُ عَلَيْهِ مِنْ مَحَبَّةِ الْخَيْرِ لِنَفْسِهِ وَلِوَلَدِهِ، وَلِتَظْهَرَ فَضِيلَةُ الْوَلَدِ فِي الْفَهْمِ مِنْ صِغَرِهِ، وَلِيَزْدَادَ مِنَ النَّبِيِّ حُظْوَةً، وَلَعَلَّهُ كَانَ يَرْجُو أَنْ يَدْعُوَ لَهُ إِذْ ذَاكَ بِالزِّيَادَةِ فِي الْفَهْمِ. وَفِيهِ الْإِشَارَةُ إِلَى حَقَارَةِ الدُّنْيَا فِي عَيْنِ عُمَرَ لِأَنَّهُ قَابَلَ فَهْمَ ابْنَهُ لِمَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ بِحُمْرِ النَّعَمِ مَعَ عِظَمِ مِقْدَارِهَا وَغَلَاءِ ثَمَنِهَا.

(فَائِدَةٌ): قَالَ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ: وَلَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ النَّبِيِّ بِهَذَا السِّيَاقِ إِلَّا ابْنُ عُمَرَ وَحْدَهُ، وَلَمَّا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ قَالَ: وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى حَدِيثٍ مُخْتَصَرٍ لِأَبِي هُرَيْرَةَ أَوْرَدَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي تَفْسِيرِهِ لَفْظُهُ: مِثْلُ الْمُؤْمِنِ مِثْلُ النَّخْلَةِ، وَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ أَيْضًا وَالنَّسَائِيِّ، وَابْنِ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ قَرَأَ: وَمَثَلُ كَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ قَالَ: هِيَ النَّخْلَةُ تَفَرَّدَ بِرَفْعِهِ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ عَاشِرَ عَشَرَةٍ، فَاسْتَفَدْنَا مِنْ مَجْمُوعِ مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ مِنْهُمْ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَابْنَ عُمَرَ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ، وَأَنَسَ بْنَ مَالِكٍ إِنْ كَانَا سَمِعَا مَا رَوَيَاهُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ. وَاللَّهُ تعالى أَعْلَمُ.

٥ - بَاب طَرْحِ الْإِمَامِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَصْحَابِهِ لِيَخْتَبِرَ مَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ

٦٢ - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ النَّبِيِّ قَالَ: إِنَّ مِنْ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ، حَدِّثُونِي مَا هِيَ؟ قَالَ: فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، ثم قالوا: حَدِّثْنَا مَا هِيَ يا رسول الله؟ قَالَ: هِيَ النَّخْلَةُ.

قَوْلُهُ: (بَابُ طَرْحِ الْإِمَامِ الْمَسْأَلَةَ) أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورَ بِلَفْظٍ قَرِيبٍ مِنْ لَفْظِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَإِنَّمَا