فِي آخِرِهِ: وَاعْلَمُوا أَنَّ أَحَبَّ الْعَمَلِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ، وَمَضَى لِنَحْوِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ سَبَبٌ، وَهُوَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ: عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَحْتَجِرُ حَصِيرًا بِاللَّيْلِ فَيُصَلِّي عَلَيْهِ، وَيَبْسُطُهُ فِي النَّهَارِ فَيَجْلِسُ عَلَيْهِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ بِصَلَاتِهِ حَتَّى كَثُرُوا، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، عَلَيْكُمْ مِنَ الْأَعْمَالِ بِمَا تُطِيقُونَ، وَوَقَفْتُ لَهُ عَلَى سَبَبٍ آخَرَ وَهُوَ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَهُمْ يَضْحَكُونَ فَقَالَ: لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: إِنَّ رَبَّكَ يَقُولُ لَكَ: لَا تُقَنِّطْ عِبَادِي، فَرَجَعَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: سَدِّدُوا وَقَارِبُوا، قَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي كَلَامِهِ عَلَى مَوَاضِعَ مِنَ الْبُخَارِيِّ: مَعْنَى الْأَمْرِ بِالسَّدَادِ وَالْمُقَارَبَةِ أَنَّهُ ﷺ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ بُعِثَ مُيَسِّرًا مُسَهِّلًا، فَأَمَرَ أُمَّتَهُ بِأَنْ يَقْتَصِدُوا فِي الْأُمُورِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي الِاسْتِدَامَةَ عَادَةً.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: سَدِيدًا سَدَادًا صِدْقًا)، كَذَا ثَبَتَ لِلْأَكْثَرِ، وَالَّذِي ثَبَتَ عَنْ مُجَاهِدٍ عِنْدَ الْفِرْيَابِيِّ، وَالطَّبَرِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: ﴿قَوْلا سَدِيدًا﴾ قَالَ: سَدَادًا وَالسَّدَادُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ الْعَدْلُ الْمُعْتَدِلُ الْكَافِي، وَبِالْكَسْرِ مَا يَسُدُّ الْخَلَلَ، وَالَّذِي وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ بِالْفَتْحِ، وَزَعَمَ مُغْلَطَايْ، وَتَبِعَهُ شَيْخُنَا ابْنُ الْمُلَقِّنِ أَنَّ الطَّبَرِيَّ وَصَلَ تَفْسِيرَ مُجَاهِدٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ هَارُونَ بْنِ عَمْرِو بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَسْبَاطٍ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَهَذَا وَهَمٌ فَاحِشٌ، فَمَا لِلسُّدِّيِّ مِنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ رِوَايَةٌ، وَلَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَإِنَّمَا أَخْرَجَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿قَوْلا سَدِيدًا﴾ قَالَ: الْقَوْلُ السَّدِيدُ أَنْ يَقُولَ لِمَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ: قَدِّمْ لِنَفْسِكَ وَاتْرُكْ لِوَلَدِكَ. وَأَخْرَجَ أَثَرَ مُجَاهِدٍ مِنْ رِوَايَةِ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ.
وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: ﴿قَوْلا سَدِيدًا﴾ قَالَ: عَدْلًا يَعْنِي فِي مَنْطِقِهِ وَفِي عَمَلِهِ، قَالَ: وَالسَّدَادُ الصِّدْقُ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ قَتَادَةَ، وَمِنْ طَرِيقِ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي قَوْلِهِ: ﴿قَوْلا سَدِيدًا﴾ قَالَ: صِدْقًا، وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْكَلْبِيِّ مِثْلَهُ، وَالَّذِي أَظُنُّهُ أَنَّهُ سَقَطَ مِنَ الْأَصْلِ لَفْظَةُ، وَالتَّقْدِيرُ قَالَ مُجَاهِدٌ: سَدَادًا، وَقَالَ غَيْرُهُ صِدْقًا، أَوِ السَّاقِطُ مِنْهُ لَفْظَةُ أَيْ، كَأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ تَفْسِيرَ مَا فَسَّرَ بِهِ مُجَاهِدٌ السَّدِيدَ.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ قَوْلُهُ: (فُلَيْحٌ) هُوَ ابْنُ سُلَيْمَانَ، وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ مَدَنِيُّونَ.
قَوْلُهُ: (صَلَّى لَنَا يَوْمًا الصَّلَاةَ) وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّهَا الظُّهْرُ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ رَقِيَ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الْقَافِ مِنَ الِارْتِقَاءِ؛ أَيْ صَعِدَ وَزْنًا وَمَعْنًى.
قَوْلُهُ: (مِنْ قِبَلِ)؛ أَيْ مِنْ جِهَةِ وَزْنًا وَمَعْنًى.
قَوْلُهُ: (أُرِيت) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ، وَفِي بَعْضِهَا رَأَيْتُ بِفَتْحَتَيْنِ.
قَوْلُهُ: (مُمَثَّلَتَيْنِ)؛ أَيْ مُصَوَّرَتَيْنِ وَزْنًا وَمَعْنًى، يُقَالُ: مَثَّلَهُ إِذَا صَوَّرَهُ كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (فِي قُبُلِ) بِضَمِّ الْقَافِ وَالْمُوَحَّدَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْجِدَارِ جِدَارُ الْمَسْجِدِ.
قَوْلُهُ: (فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ) وَقَعَ هُنَا مُكَرَّرًا تَأْكِيدًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ هَذَا اللَّفْظِ فِي بَابِ وَقْتِ الظُّهْرِ مِنْ أَبْوَابِ الْمَوَاقِيتِ، وَيَأْتِي شَرْحُ الْحَدِيثِ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الِاعْتِصَامِ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَفِي الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى الْحَثِّ عَلَى مُدَاوَمَةِ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّ مَنْ مَثَّلَ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَانَ ذَلِكَ بَاعِثًا لَهُ عَلَى الْمُوَاظَبَةِ عَلَى الطَّاعَةِ وَالِانْكِفَافِ عَنِ الْمَعْصِيَةِ، وَبِهَذَا التَّقْرِيبِ تَظْهَرُ مُنَاسَبَةُ الْحَدِيثِ لِلتَّرْجَمَةِ.
١٩ - بَاب الرَّجَاءِ مَعَ الْخَوْفِ. وَقَالَ سُفْيَانُ: مَا فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ أَشَدُّ عَلَيَّ مِنْ: ﴿لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ﴾