للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

٤٨ - كِتَاب الرَّهْنِ

١ - بَاب في الرَّهْنِ فِي الْحَضَرِ، وَقَوْل الله ﷿:

﴿وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ﴾

٢٥٠٨ - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: وَلَقَدْ رَهَنَ رسول الله دِرْعَهُ بِشَعِيرٍ، وَمَشَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ بِخُبْزِ شَعِيرٍ وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ. وَلَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَا أَصْبَحَ لِآلِ مُحَمَّدٍ إِلَّا صَاعٌ وَلَا أَمْسَى، وَإِنَّهُمْ لَتِسْعَةُ أَبْيَاتٍ.

قَوْلُهُ: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. كِتَابٌ فِي الرَّهْنِ فِي الْحَضَرِ، وَقَوْلِ اللَّهِ ﷿: ﴿فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ﴾ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ، وَلِغَيْرِهِ: بَابُ بَدَلَ كِتَابُ، وَلِابْنِ شَبَّوَيْهِ: بَابُ مَا جَاءَ، وَكُلُّهُمْ ذَكَرُوا الْآيَةَ مِنْ أَوَّلِهَا. وَالرَّهْنُ - بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْهَاءِ - فِي اللُّغَةِ: الِاحْتِبَاسُ؛ مِنْ قَوْلِهِمْ: رَهَنَ الشَّيْءُ، إِذَا دَامَ وَثَبَتَ. وَمِنْهُ: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾ وَفِي الشَّرْعِ: جَعْلُ مَالٍ وَثِيقَةً عَلَى دَيْنٍ. وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ تَسْمِيَةً لِلْمَفْعُولِ بِاسْمِ الْمَصْدَرِ. وَأَمَّا الرُّهُنُ بِضَمَّتَيْنِ فَالْجَمْعُ، وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى رِهَانٍ بِكَسْرِ الرَّاءِ كَكُتُبٍ وَكِتَابٍ، وَقُرِئَ بِهِمَا.

وَقَوْلُهُ: فِي الْحَضَرِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالسَّفَرِ فِي الْآيَةِ خَرَجَ لِلْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ لِدَلَالَةِ الْحَدِيثِ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ فِي الْحَضَرِ كَمَا سَأَذْكُرُهُ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَاحْتَجُّوا لَهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى بِأَنَّ الرَّهْنَ شُرِعَ تَوْثِقَةً عَلَى الدَّيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾ فَإِنَّهُ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّهْنِ الِاسْتِيثَاقُ، وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ بِالسَّفَرِ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ فَقْدِ الْكَاتِبِ فَأَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ مُجَاهِدٌ، وَالضَّحَّاكُ فِيمَا نَقَلَهُ الطَّبَرِيُّ عَنْهُمَا فَقَال: لَا يُشْرَعُ إِلَّا فِي السَّفَرِ حَيْثُ لَا يُوجَدُ الْكَاتِبُ، وَبِهِ قَالَ دَاوُدُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ، وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: إِنْ شَرَطَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ فِي الْحَضَرِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ تَبَرَّعَ بِهِ الرَّاهِنُ جَازَ، وَحَمَلَ حَدِيثَ الْبَابِ عَلَى ذَلِكَ.

وَقَدْ أَشَارَ الْبُخَارِيُّ إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ كَعَادَتِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ فِي بَابِ شِرَاءِ النَّبِيِّ بِالنَّسِيئَةِ فِي أَوَائِلِ الْبُيُوعِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظِ: وَلَقَدْ رَهَنَ دِرْعًا لَهُ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ يَهُودِيٍّ، وَعُرِفَ بِذَلِكَ الرَّدُّ عَلَى مَنِ اعْتَرَضَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ تَعَرُّضٌ لِلرَّهْنِ فِي الْحَضَرِ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الْبُيُوعِ مَقْرُونًا بِإِسْنَادٍ آخَرَ، وَسَاقَهُ هُنَاكَ عَلَى لَفْظِهِ، وَهُنَا عَلَى لَفْظِ: مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ.

قَوْلُهُ: (وَلَقَدْ رَهَنَ دِرْعَهُ) هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى شَيْءٍ مَحْذُوفٍ، بَيَّنَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ أَبَانَ الْعَطَّارِ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ يَهُودِيًّا دَعَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَجَابَهُ. وَالدِّرْعُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ.

قَوْلُهُ: (بِشَعِيرٍ) وَقَعَ فِي أَوَائِلِ الْبُيُوعِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظِ: وَلَقَدْ رَهَنَ النَّبِيُّ دِرْعًا لَهُ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ يَهُودِيٍّ وَأَخَذَ مِنْهُ شَعِيرًا لِأَهْلِهِ. وَهَذَا الْيَهُودِيُّ هُوَ أَبُو الشَّحْمِ، بَيَّنَهُ الشَّافِعِيُّ ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ رَهَنَ دِرْعًا لَهُ عِنْدَ أَبِي الشَّحْمِ الْيَهُودِيِّ رَجُلٍ مِنْ بَنِي ظَفَرٍ فِي شَعِيرٍ، انْتَهَى. وَأَبُو الشَّحْمِ - بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ - اسْمُهُ كُنْيَتُهُ، وَظَفَرٌ بِفَتْحِ الظَّاءِ وَالْفَاءِ بَطْنٌ مِنْ الْأَوْسِ وَكَانَ حَلِيفًا لَهُمْ، وَضَبَطَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِهَمْزَةٍ مُوَحَّدَةٍ مَمْدُودَةٍ وَمَكْسُورَةٍ،