قُلْتُ: وَالثَّانِي أَشْبَهَ بِمُرَادِهِ، وَلِذَلِكَ قَيَّدَهُ بِمَا دُونَ الْفَرْجِ، وَوَجْهُ اسْتِدْلَالِهِ بِالآيةِ أَنَّهَا دَلَّتْ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِمْتَاعِ بِجَمِيعِ وُجُوهِهِ، فَخَرَجَ الْوَطْءُ بِدَلِيلٍ، فَبَقِيَ الْبَاقِي عَلَى الْأَصْلِ. ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ حَدِيثَ أَنَسٍ فِي قِصَّةِ صَفِيَّةَ، وَسَيَأْتِي مَبْسُوطًا فِي الْمَغَازِي، وَالْغَرَضُ مِنْهُ هُنَا قَوْلُهُ: حَتَّى بَلَغْنَا سَدَّ الرَّوْحَاءِ حَلَّتْ فَبَنَى بِهَا فَإِنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: حَلَّتْ أَيْ: طَهُرَتْ مِنْ حَيْضِهَا.
وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ لَيِّنٍ أَنَّهُ ﷺ اسْتَبْرَأَ صَفِيَّةَ بِحَيْضَةٍ، وَأَمَّا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّهُ ﷺ تَرَكَ صَفِيَّةَ عِنْدَ أُمِّ سُلَيْمٍ حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَقَدْ شَكَّ حَمَّادٌ رَاوِيهِ عَنْ ثَابِتٍ فِي رَفْعهِ، وَفِي ظَاهِرِهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ ﷺ دَخَلَ بِهَا مُنْصَرِفَهُ مِنْ خَيْبَرَ بَعْدَ قَتْلِ زَوْجِهَا بِيَسِيرٍ فَلَمْ يَمْضِ زَمَنٌ يَسَعُ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ، وَلَا نَقَلُوا أَنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا فَتُحْمَلُ الْعِدَّةُ عَلَى طُهْرِهَا مِنَ الْمَحِيضِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَالصَّرِيحُ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضُ حَيْضَةً قَالَهُ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ، وَلَيْسَ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ.
١١٢ - بَاب بَيْعِ الْمَيْتَةِ وَالْأَصْنَامِ
٢٢٣٦ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ﵄، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ: إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ؛ فَإِنَّهَا يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ، فَقَالَ: لَا، هُوَ حَرَامٌ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عِنْدَ ذَلِكَ: قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ؛ إِنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ. وَقَالَ أَبُو عَاصِمٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ: كَتَبَ إِلَيَّ عَطَاءٌ: سَمِعْتُ جَابِرًا ﵁، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ.
[الحديث ٢٢٣٦ - طرفاه في: ٤٢٩٦، ٤٦٣٣]
قَوْلُهُ: (بَابُ بَيْعِ الْمَيْتَةِ وَالْأَصْنَامِ) أَيْ: تَحْرِيمُ ذَلِكَ، وَالْمَيْتَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ: مَا زَالَتْ عَنْهُ الْحَيَاةُ لَا بِذَكَاةٍ شَرْعِيَّةٍ، وَالْمِيتَةُ بِالْكَسْرِ: الْهَيْئَةُ وَلَيْسَتْ مُرَادًا هُنَا، وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ الْمَيْتَةِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ السَّمَكُ وَالْجَرَادُ. وَالْأَصْنَامُ جَمْعُ صَنَمٍ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هُوَ الْوَثَنُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: الْوَثَنُ مَا لَهُ جُثَّةٌ، وَالصَّنَمُ مَا كَانَ مُصَوَّرًا، فَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَجْهِيٌّ، فَإِنْ كَانَ مُصَوَّرًا فَهُوَ وَثَنٌ وَصَنَمٌ.
قَوْلُهُ: (عَنْ عَطَاءٍ) بَيَّنَ فِي الرِّوَايَةِ الْمُعَلَّقَةِ تِلْوَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْمُتَّصِلَةِ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ أَبِي حَبِيبٍ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ عَطَاءٍ، وَإِنَّمَا كَتَبَ بِهِ إِلَيْهِ، وَلِيَزِيدَ فِيهِ إِسْنَادٌ آخَرُ ذَكَرَهُ أَبُو حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ مِنْ طَرِيقِ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: قَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عَطَاءٍ، وَيَزِيدُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَطَاءٍ، وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْمِصْرِيِّينَ رَوَاهُ عَنْ يَزِيدَ مُتَابِعًا لِعَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، فَإِنْ كَانَ حَفِظَهُ فَهُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ مَحَلُّهُ الصِّدْقَ. قُلْتُ: قَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى عَبْدِ الْحَمِيدِ، وَرِوَايَةُ أَبِي عَاصِمٍ عَنْهُ الْمُوَافِقَةُ لِرِوَايَةِ غَيْرِهِ عَنْ يَزِيدَ أَرْجَحُ، فَتَكُونُ رِوَايَةُ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ شَاذَّةً.
قَوْلُهُ: (عَنْ جَابِرٍ) فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ اللَّيْثِ بِسَنَدِهِ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بِمَكَّةَ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ بِمَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ) فِيهِ بَيَانُ تَارِيخِ ذَلِكَ، وَكَانَ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute