للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فِي رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّحْرِيمُ وَقَعَ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ أَعَادَهُ ﷺ لِيَسْمَعَهُ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَمِعَهُ.

قَوْلُهُ: (إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ) هَكَذَا وَقَعَ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِإِسْنَادِ الْفِعْلِ إِلَى ضَمِيرِ الْوَاحِدِ وَكَانَ الْأَصْلُ حَرَّمَا فَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: إِنَّهُ ﷺ تَأَدَّبَ فَلَمْ يَجْمَعْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اسْمِ اللَّهِ فِي ضَمِيرِ الِاثْنَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ نَوْعِ مَا رَدَّ بِهِ عَلَى الْخَطِيبِ الَّذِي قَالَ: وَمَنْ يَعْصِهِمَا كَذَا قَالَ، وَلَمْ تَتَّفِقِ الرُّوَاةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى ذَلِكَ؛ فَإِنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ فِي الصَّحِيحِ: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ لَيْسَ فِيهِ وَرَسُولَهُ وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ مَرْدَوْيهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ اللَّيْثِ: إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَا وَقَدْ صَحَّ حَدِيثُ أَنَسٍ فِي النَّهْيِ عَنْ أَكْلِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ: إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ يَنْهَاكُمْ وَالتَّحْقِيقُ جَوَازُ الْإِفْرَادِ فِي مِثْلِ هَذَا، وَوَجْهُهُ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ أَمْرَ النَّبِيِّ نَاشِئٌ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ، وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِهِ: ﴿وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ﴾ وَالْمُخْتَارُ فِي هَذَا أَنَّ الْجُمْلَةَ الْأُولَى حُذِفَتْ لِدَلَالَةِ الثَّانِيَةِ عَلَيْهَا، وَالتَّقْدِيرُ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ: وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ، وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ، وَهُوَ كَقَوْلِ الشَّاعِر:

نَحْنُ بِمَا عِنْدنَا وَأَنْتَ بِمَا عِنْـ … ـدَكَ رَاضٍ وَالرَّأْيُ مُخْتَلِفُ

وَقِيلَ: أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ خَبَرٌ عَنِ الِاسْمَيْنِ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ تَابِعٌ لِأَمْرِ اللَّهِ.

قَوْلُهُ: (فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ) لَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَةِ الْقَائِلِ، وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْآتِيَةِ فَقَالَ رَجُلٌ.

قَوْلُهُ: (أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهُ يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ) أَيْ: فَهَلْ يَحِلُّ بَيْعُهَا لِمَا ذُكِرَ مِنَ الْمَنَافِعِ؛ فَإِنَّهَا مُقْتَضِيَةٌ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ.

قَوْلُهُ: (فَقَالَ: لَا، هُوَ حَرَامٌ) أَيِ: الْبَيْعُ، هَكَذَا فَسَّرَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ كَالشَّافِعِيِّ وَمَنِ اتَّبَعَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ قَوْلَهُ: وَهُوَ حَرَامٌ عَلَى الِانْتِفَاعِ فَقَالَ: يَحْرُمُ الِانْتِفَاعُ بِهَا، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، فَلَا يُنْتَفَعُ مِنَ الْمَيْتَةِ أَصْلًا عِنْدَهُمْ إِلَّا مَا خُصَّ بِالدَّلِيلِ وَهُوَ الْجِلْدُ الْمَدْبُوغُ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يَتَنَجَّسُ مِنَ الْأَشْيَاءِ الطَّاهِرَةِ فَالْجُمْهُورُ عَلَى الْجَوَازِ، وَقَالَ أَحْمَدُ، وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَا يُنْتَفَعُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَاسْتَدَلَّ الْخَطَّابِيُّ عَلَى جَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَتْ لَهُ دَابَّةٌ سَاغَ لَهُ إِطْعَامُهَا لِكِلَابِ الصَّيْدِ فَكَذَلِكَ يَسُوغُ دَهْنُ السَّفِينَةِ بِشَحْمِ الْمَيْتَةِ وَلَا فَرْقَ.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عِنْدَ ذَلِكَ: قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ. . . إِلَخْ) وَسِيَاقُهُ مُشْعِرٌ بِقُوَّةِ مَا أَوَّلَهُ الْأَكْثَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ هُوَ حَرَامٌ الْبَيْعُ لَا الِانْتِفَاعُ، وَرَوَى أَحْمَدُ، وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: الْوَيْلُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، إِنَّهُ لَمَّا حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ بَاعُوهَا فَأَكَلُوا ثَمَنَهَا، وَكَذَلِكَ ثَمَنُ الْخَمْرِ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ وَقَدْ مَضَى فِي بَابِ تَحْرِيمِ تِجَارَةِ الْخَمْرِ حَدِيثُ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ فِي ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ) هُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ، وَهَذِهِ الطَّرِيقُ وَصَلَهَا أَحْمَدُ، عَنْ أَبِي عَاصِمٍ وَأَخْرَجَهَا مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِي عَاصِمٍ، وَلَمْ يَسْبِقْ لَفْظُهُ بَلْ قَالَ مِثْلَ حَدِيثِ اللَّيْثِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ أَصْلَ الْحَدِيثِ، وَإِلَّا فَفِي سِيَاقِهِ بَعْضُ مُخَالَفَةٍ، قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ وَلَفْظُهُ: يَقُولُ عَامَ الْفَتْحِ: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَنَازِيرِ وَبَيْعَ الْمَيْتَةِ وَبَيْعَ الْخَمْرِ وَبَيْعَ الْأَصْنَامِ، قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا تَرَى فِي بَيْعِ شُحُومِ الْمَيْتَةِ؟ فَإِنَّهَا تُدْهَنُ بِهَا السُّفُنُ وَالْجُلُودُ وَيُسْتَصْبَحُ بِهَا. فَقَالَ: قَاتَلَ اللَّهُ يَهُودَ الْحَدِيثَ. فَظَهَرَ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ السُّؤَالَ وَقَعَ عَنْ بَيْعِ الشُّحُومِ وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا قَرَّرْنَاهُ، وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ ﷺ قَالَ: وَهُوَ عِنْدَ الرُّكْنِ: قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ، إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْهِمُ الشُّحُومَ فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: الْعِلَّةُ فِي مَنْعِ بَيْعِ الْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ النَّجَاسَةُ فَيَتَعَدَّى ذَلِكَ إِلَى كُلِّ نَجَاسَةٍ، وَلَكِنَّ الْمَشْهُورَ عِنْدَ مَالِكٍ طَهَارَةُ الْخِنْزِيرِ.

وَالْعِلَّةُ فِي مَنْعِ بَيْعِ