فَسَطَعَ نُورٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَبِّ أَخَافُ أَنْ يَقُولُوا إِنَّهُ مُثْلَةٌ، فَتَحَوَّلَ إِلَى طَرَفِ سَوْطِهِ، وَكَانَ يُضِيءُ فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ ; ذَكَرَهُ هِشَامُ بْنُ الْكَلْبِيِّ فِي قِصَّةٍ طَوِيلَةٍ، وَفِيهَا: أَنَّهُ دَعَا قَوْمَهُ إِلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ أَبُوهُ وَلَمْ تُسْلِمْ أُمُّهُ، وَأَجَابَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَحْدَهُ. قُلْتُ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمِ إِسْلَامِهِ، وَقَدْ جَزَمَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِأَنَّهُ قَدِمَ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ بِخَيْبَرَ وَكَأَنَّهَا قَدْمَتُهُ الثَّانِيَةُ.
قَوْلُهُ: (عَنِ ابْنِ ذَكْوَانَ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ أَبُو الزِّنَادِ.
قَوْلُهُ: (اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَائْتِ بِهِمْ) وَقَعَ مِصْدَاقُ ذَلِكَ، فَذَكَرَ ابْنُ الْكَلْبِيِّ أَنَّ حَبِيبَ بْنَ عَمْرِو بْنِ حَثْمَةَ الدَّوْسِيَّ كَانَ حَاكِمًا عَلَى دَوْسٍ، وَكَذَا كَانَ أَبُوهُ مِنْ قَبْلِهِ، وَعَمَّرَ ثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ، وَكَانَ حَبِيبٌ يَقُولُ: إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّ لِلْخَلْقِ خَالِقًا لَكِنِّي لَا أَدْرِي مَنْ هُوَ، فَلَمَّا سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ خَرَجَ إِلَيْهِ وَمَعَهُ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ رَجُلًا مِنْ قَوْمِهِ فَأَسْلَمَ وَأَسْلَمُوا. وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَرْسَلَ الطُّفَيْلَ بْنَ عَمْرٍو لِيُحْرِقَ صَنَمَ عَمْرِو بْنِ حَثْمَةَ الَّذِي كَانَ يُقَالُ لَهُ ذُو الْكَفِينِ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِ الْفَاءِ، فَأَحْرَقَهُ. وَذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ الطُّفَيْلَ بْنَ عَمْرٍو اسْتُشْهِدَ بَأَجْنَادِينَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَكَذَا قَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، وَجَزَمَ ابْنُ سَعْدٍ بِأَنَّهُ اسْتُشْهِدَ بِالْيَمَامَةِ، وَقِيلَ بِالْيَرْمُوكِ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ) هُوَ ابْنُ أَبِي خَالِدٍ (عَنْ قَيْسٍ) وهُوَ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ.
قَوْلُهُ: (لَمَّا قَدِمْتُ) أَيْ أَرَدْتُ الْقُدُومَ.
قَوْلُهُ: (قُلْتُ فِي الطَّرِيقِ) تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الْعِتْقِ، وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ: وَأَبَقَ غُلَامٌ لِي لَا يُغَايِرُ قَوْلَهُ فِي الرِّوَايَةِ الْمَاضِيَةِ فِي الْعِتْقِ فَأَضَلَّ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ لِأَنَّ رِوَايَةَ أَبَقَ فَسَرَّتْ وَجْهَ الْإِضْلَالِ، وَأَنَّ الَّذِي أَضَلَّ هُوَ أَبُو هُرَيْرَةَ، بِخِلَافِ غُلَامِهِ فَإِنَّهُ أَبَقَ (١) أَبُو هُرَيْرَةَ مَكَانَهُ لِهَرَبِهِ، فَلِذَلِكَ أَطْلَقَ أَنَّهُ أَضَلَّهُ، فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى إِنْكَارِ ابْنِ التِّينِ أَنَّهُ أَبَقَ، وَأَمَّا كَوْنُهُ عَادَ فَحَضَرَ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ فَلَا يُنَافِيهِ أَيْضًا لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ رَجَعَ عَنِ الْإِبَاقِ وَعَادَ إِلَى سَيِّدِهِ بِبَرَكَةِ الْإِسْلَامِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَطْلَقَ أَبَقَ بِمَعْنَى أَنَّهُ أَضَلَّ الطَّرِيقَ فَلَا تَتَنَافَى الرِّوَايَتَانِ.
٧٦ - بَاب قِصَّةِ وَفْدِ طَي وَحَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ
٤٣٩٤ - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: أَتَيْنَا عُمَرَ فِي وَفْدٍ فَجَعَلَ يَدْعُو رَجُلًا رَجُلًا وَيُسَمِّيهِمْ فَقُلْتُ: أَمَا تَعْرِفُنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: بَلَى أَسْلَمْتَ إِذْ كَفَرُوا وَأَقْبَلْتَ إِذْ أَدْبَرُوا وَوَفَيْتَ إِذْ غَدَرُوا وَعَرَفْتَ إِذْ أَنْكَرُوا فَقَالَ عَدِيٌّ: فَلَا أُبَالِي إِذًا.
قَوْلُهُ: (وَفْدُ طَيِّئٍ وَحَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ) أَيِ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ الْحَشْرَجِ بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ رَاءٍ ثُمَّ جِيمٍ بِوَزْنِ جَعْفَرٍ ابْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ عَدِيٍّ الطَّائِيِّ، مَنْسُوبٌ إِلَى طَيِّئٍ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ الْمَكْسُورَةِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ ابْنِ أَدَدَ بْنِ زَيْدِ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ عُرَيْبِ بْنِ زَيْدِ بْنِ كَهْلَانَ بْنِ سَبَأٍ، يُقَالُ: كَانَ اسْمُهُ جَلْهَمَةَ فَسُمِّيَ طَيِّئًا؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ طَوَى بِئْرًا، وَيُقَالُ: أَوَّلُ مَنْ طَوَى الْمَنَاهِلَ. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: أَتَيْتُ عُمَرَ فَقَالَ: إِنَّ أَوَّلَ صَدَقَةٍ بَيَّضَتْ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَوُجُوهَ أَصْحَابِهِ صَدَقَةُ طَيِّئٍ، جِئْتُ بِهَا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ وَزَادَ أَحْمَدُ فِي أَوَّلِهِ: أَتَيْتُ عُمَرَ فِي أُنَاسٍ مِنْ قَوْمِي، فَجَعَلَ يُعْرِضُ عَنِّي، فَاسْتَقْبَلْتُهُ فَقُلْتُ: أَتَعْرِفُنِي؟ فَذَكَرَ نَحْوَ مَا أَوْرَدَهُ
(١) في العبارة غموض أو ساقط منها شيء.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute