للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

السَّلَامَ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ بِعَيْنِهِ بِخِلَافِ الْهَدِيَّةِ فَإِنَّ الَّذِي يُهْدَى لَهُ إِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يُهْدِيَ أَحْسَنَ مِنْهَا فَعَلَ وَإِلَّا رَدَّهَا بِعَيْنِهَا.

وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّدِّ رَدُّ الْمِثْلِ لَا رَدُّ الْعَيْنِ، وَذَلِكَ سَائِغٌ كَثِيرٌ، وَنَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ أَيْضًا عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَابْنِ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّحِيَّةِ فِي الْآيَةِ تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ وَالرَّدُّ عَلَى الْمُشَمِّتِ، قَالَ: وَلَيْسَ فِي السِّيَاقِ دَلَالَةٌ عَلَى ذَلِكَ، وَلَكِنْ حُكْمُ التَّشْمِيتِ وَالرَّدِّ مَأْخُوذٌ مِنْ حُكْمِ السَّلَامِ وَالرَّدِّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الَّذِي نَحَا إِلَيْهِ مَالِكٌ.

ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي التَّشَهُّدِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَالْغَرَضُ مِنْهُ قَوْلُهُ فِيهِ: إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ وَهُوَ مُطَابِقٌ لِمَا تَرْجَمَ لَهُ. وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَنْ سَلَّمَ لَمْ يُجْزِئْ فِي جَوَابِهِ إِلَّا السَّلَامُ، وَلَا يُجْزِئُ فِي جَوَابِهِ صُبِّحْتَ بِالْخَيْرِ أَوْ بِالسَّعَادَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ أَتَى فِي التَّحِيَّةِ بِغَيْرِ لَفْظِ السَّلَامِ هَلْ يَجِبُ جَوَابُهُ أَمْ لَا؟ وَأَقَلُّ مَا يَحْصُلُ بِهِ وُجُوبُ الرَّدِّ أَنْ يَسْمَعَ الْمُبْتَدِئُ، وَحِينَئِذٍ يَسْتَحِقُّ الْجَوَابَ، وَلَا يَكْفِي الرَّدُّ بِالْإِشَارَةِ، بَلْ وَرَدَ الزَّجْرُ عَنْهُ؛ وَذَلِكَ فِيمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَفَعَهُ: لَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَإِنَّ تَسْلِيمَ الْإِشَارَةُ بِالْإِصْبَعِ، وَتَسْلِيمُ النَّصَارَى بِالْأَكُفِّ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: غَرِيبٌ قُلْتُ: وَفِي سَنَدِهِ ضَعْفٌ، لَكِنْ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ جَابِرٍ رَفَعَهُ: لَا تُسَلِّمُوا تَسْلِيمَ الْيَهُودِ، فَإِنَّ تَسْلِيمَهُمْ بِالرُّءُوسِ وَالْأَكُفِّ وَالْإِشَارَةِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: لَا يَرِدُ عَلَى هَذَا حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ: مَرَّ النَّبِيُّ فِي الْمَسْجِدِ وَعُصْبَةٌ مِنَ النِّسَاءِ قُعُودٌ فَأَلْوَى بِيَدِهِ بِالتَّسْلِيمِ؛ فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ اللَّفْظِ وَالْإِشَارَةِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِهَا بِلَفْظِ: فَسَلَّمَ عَلَيْنَا، انْتَهَى.

وَالنَّهْيُ عَنِ السَّلَامِ بِالْإِشَارَةِ مَخْصُوصٌ بِمَنْ قَدَرَ عَلَى اللَّفْظِ حِسًّا وَشَرْعًا، وَإِلَّا فَهِيَ مَشْرُوعَةٌ لِمَنْ يَكُونُ فِي شُغْلٍ يَمْنَعُهُ مِنَ التَّلَفُّظِ بِجَوَابِ السَّلَامِ كَالْمُصَلِّي وَالْبَعِيدِ وَالْأَخْرَسِ، وَكَذَا السَّلَامُ عَلَى الْأَصَمِّ وَلَوْ أَتَى بِالسَّلَامِ بِغَيْرِ اللَّفْظِ الْعَرَبِيِّ هَلْ يَسْتَحِقُّ الْجَوَابَ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ لِلْعُلَمَاءِ، ثَالِثُهَا يَجِبُ لِمَنْ يُحْسِنُ بِالْعَرَبِيَّةِ.

وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ التَّحِيَّةَ بِغَيْرِ لَفْظِ السَّلَامِ مِنْ بَابِ تَرْكِ الْمُسْتَحَبِّ وَلَيْسَ بِمَكْرُوهٍ، إِلَّا إِنْ قَصَدَ بِهِ الْعُدُولَ عَنِ السَّلَامِ إِلَى مَا هُوَ أَظْهَرُ فِي التَّعْظِيمِ مِنْ أَجْلِ أَكَابِرِ أَهْلِ الدُّنْيَا، وَيَجِبُ الرَّدُّ عَلَى الْفَوْرِ، فَلَوْ أَخَّرَ ثُمَّ اسْتَدْرَكَ فَرَدَّ لَمْ يُعَدَّ جَوَابًا، قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَجَمَاعَةٌ، وَكَأَنَّ مَحِلَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ. وَيَجِبُ رَدُّ جَوَابِ السَّلَامِ فِي الْكِتَابِ وَمَعَ الرَّسُولِ، وَلَوْ سَلَّمَ الصَّبِيُّ عَلَى بَالِغٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الرَّدُّ، وَلَوْ سَلَّمَ عَلَى جَمَاعَةٍ فِيهِمْ صَبِيٌّ فَأَجَابَ أَجْزَأَ عَنْهُمْ فِي وَجْهٍ.

٤ - بَاب تَسْلِيمِ الْقَلِيلِ عَلَى الْكَثِيرِ

٦٢٣١ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ قَالَ: يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ، وَالْمَارُّ عَلَى الْقَاعِدِ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ.

[الحديث ٦٢٣١ - أطرافه في ٦٢٣٢، ٦٢٣٣، ٦٢٣٤]

قَوْلُهُ: (بَابُ تَسْلِيمِ الْقَلِيلِ عَلَى الْكَثِيرِ) هُوَ أَمْرٌ نِسْبِيٌّ يَشْمَلُ الْوَاحِدَ بِالنِّسْبَةِ لِلِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا، وَالِاثْنَيْنِ بِالنِّسْبَةِ لِلثَّلَاثَةِ فَصَاعِدًا، وَمَا فَوْقَ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (عَبْدُ اللَّهِ) هُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ.

قَوْلُهُ: (يُسَلِّمُ) كَذَا لِلْجَمِيعِ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ وَهُوَ بِمَعْنَى الْأَمْرِ، وَقَدْ وَرَدَ صَرِيحًا فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ عِنْدَ أَحْمَدَ بِلَفْظِ: لِيُسَلِّمُ وَيَأْتِي شَرْحُهُ فِيمَا بَعْدَهُ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لَوْ دَخَلَ شَخْصٌ مَجْلِسًا فَإِنْ كَانَ الْجَمْعُ قَلِيلًا يَعُمُّهُمْ سَلَامٌ وَاحِدٌ فَسَلَّمَ كَفَاهُ، فَإِنْ زَادَ فَخَصَّصَ بَعْضَهُمْ