للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَوْلُهُ: (بَابُ الْخُطْبَةِ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ؛ أَيْ عِنْدَ الْعَقْدِ، ذكر فيه حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: جَاءَ رَجُلَانِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَخَطَبَا، فَقَالَ النَّبِيُّ : إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا، وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: سِحْرًا بِغَيْرِ لَامٍ، وَهُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ سَيَأْتِي بِتَمَامِهِ فِي الطِّبِّ مَعَ شَرْحِهِ. قَالَ ابْنُ التِّينِ: أَدْخَلَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَلَيْسَ هُوَ مَوْضِعِهِ، قَالَ: وَالْبَيَانُ نَوْعَانِ: الْأَوَّلُ مَا يُبَيِّنُ بِهِ الْمُرَادُ، وَالثَّانِي: تَحْسِينُ اللَّفْظِ حَتَّى يَسْتَمِيلَ قُلُوبَ السَّامِعِينَ. وَالثَّانِي هُوَ الَّذِي يُشَبَّهُ بِالسَّحَرِ، وَالْمَذْمُومُ مِنْهُ مَا يُقْصَدُ بِهِ الْبَاطِلُ، وَشَبَّهَهُ بِالسَّحَرِ؛ لِأَنَّ السَّحَرَ صَرْفُ الشَّيْءِ عَنْ حَقِيقَتِهِ.

قُلْتُ: فَمِنْ هُنَا تُؤْخَذُ الْمُنَاسَبَةُ، وَيُعْرَفُ أَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي مَوْضِعِهِ، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّ الْخِطْبَةَ وَإِنْ كَانَتْ مَشْرُوعَةً فِي النِّكَاحِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مُقْتَصِدَةً، وَلَا يَكُونَ فِيهَا مَا يَقْتَضِي صَرْفَ الْحَقِّ إِلَى الْبَاطِلِ بِتَحْسِينِ الْكَلَامِ. وَالْعَرَبُ تُطْلِقُ لَفْظَ السَّحَرِ عَلَى الصَّرْفِ تَقُولُ: مَا سَحَرَكَ عَنْ كَذَا؟ أَيْ مَا صَرَفَكَ عَنْهُ؟ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ صَخْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ رَفَعَهُ: إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا. قَالَ: فَقَالَ صَعْصَعَةُ بْنُ صُوحَانَ: صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ ، الرَّجُلُ يَكُونُ عَلَيْهِ الْحَقُّ وَهُوَ أَلْحَنُ بِالْحُجَّةِ مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ فَيَسْحَرُ النَّاسَ بَيَانُهُ فَيَذْهَبُ بِالْحَقِّ.

وَقَالَ الْمُهَلَّبُ: وَجْهُ إِدْخَالِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ أَنَّ الْخُطْبَةَ فِي النِّكَاحِ إِنَّمَا شُرِعَتْ لِلْخَاطِبِ؛ لِيَسْهُلَ أَمْرُهُ فَشُبِّهَ حُسْنُ التَّوَصُّلِ إِلَى الْحَاجَةِ بِحُسْنِ الْكَلَامِ فِيهَا بِاسْتِنْزَالِ الْمَرْغُوبِ إِلَيْهِ بِالْبَيَانِ بِالسِّحْرِ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ النُّفُوسَ طُبِعَتْ عَلَى الْأَنَفَةِ مِنْ ذِكْرِ الْمَوْلَيَاتِ فِي أَمْرِ النِّكَاحِ، فَكَانَ حُسْنُ التَّوَصُّلِ لِرَفْعِ تِلْكَ الْأَنَفَةِ وَجْهًا مِنْ وُجُوهِ السِّحْرِ الَّذِي يَصْرِفُ الشَّيْءَ إِلَى غَيْرِهِ. وَوَرَدَ فِي تَفْسِيرِ خُطْبَةِ النِّكَاحِ أَحَادِيثُ مِنْ أَشْهَرِهَا مَا أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ، وَصَحَّحَهُ أَبُو عَوَانَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا: إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ الْحَدِيثَ.

قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ، رَوَاهُ الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَالَ شُعْبَةُ:، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: فَكِلَا الْحَدِيثَيْنِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ إِسْرَائِيلَ رَوَاهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ فَجَمَعَهُمَا. قَالَ: وَقَدْ قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ: إِنَّ النِّكَاحَ جَائِزٌ بِغَيْرِ خُطْبَةٍ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ اهـ. وَقَدْ شَرَطَهُ فِي النِّكَاحِ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَهُوَ شَاذٌّ.

٤٨ - بَاب ضَرْبِ الدُّفِّ فِي النِّكَاحِ وَالْوَلِيمَةِ

٥١٤٧ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ ذَكْوَانَ قَالَ: قَالَتْ الرُّبَيِّعُ بِنْتُ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ: جَاءَ النَّبِيُّ فَدَخَلَ حِينَ بُنِيَ عَلَيَّ، فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي، فَجَعَلَتْ جُوَيْرِيَاتٌ لَنَا يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ وَيَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِي يَوْمَ بَدْرٍ؛ إِذْ قَالَتْ إِحْدَاهُنَّ: وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ، فَقَالَ: دَعِي هَذِهِ، وَقُولِي بِالَّذِي كُنْتِ تَقُولِينَ.

قَوْلُهُ: (بَابُ ضَرْبِ الدُّفِّ فِي النِّكَاحِ وَالْوَلِيمَةِ) يَجُوزُ فِي الدُّفِّ ضَمُّ الدَّالِ وَفَتْحُهَا، وَقَوْلُهُ: وَالْوَلِيمَةِ مَعْطُوفٌ عَلَى النِّكَاحِ؛ أَيْ ضَرْبُ الدُّفِّ فِي الْوَلِيمَةِ وَهُوَ مِنَ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ وَلِيمَةَ النِّكَاحِ خَاصَّةً، وَأَنَّ ضَرْبَ الدُّفِّ يُشْرَعُ فِي النِّكَاحِ عِنْدَ الْعَقْدِ، وَعِنْدَ الدُّخُولِ مَثَلًا، وَعِنْدَ الْوَلِيمَةِ كَذَلِكَ، وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى مَا فِي بَعْضِ طُرُقِهِ عَلَى مَا سَأُبَيِّنُهُ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ ذَكْوَانَ) هُوَ الْمَدَنِيُّ يُكَنَّى أَبَا الْحَسَنِ، وَهُوَ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ.

قَوْلُهُ: (جَاءَ النَّبِيُّ يَدْخُلُ عَلَيَّ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: فَدَخَلَ عَلَيَّ، وَوَقَعَ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ فِي أَوَّلِهِ قِصَّةٌ مِنْ طَرِيقِ