للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فَصَحَّ أَنَّهُ غَيْرُهُ، قَالَ: وَمَا أَلْزَمَ بِهِ الْبُخَارِيُّ الْقَائِلَ الْمَذْكُورَ قَدْ يُقَالُ لِمَنْ وُهِبَ لَهُ الشَّيْءُ أَوْ رَبِحَ رِبْحًا كَثِيرًا أَوْ كَثُرَ ثَمَرُهُ: أَرْكَزْتَ حُجَّةً بَالِغَةً، لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ الِاشْتِرَاكِ فِي الْأَسْمَاءِ الِاشْتِرَاكُ فِي الْمَعْنَى، إِلَّا إِنْ أَوْجَبَ ذَلِكَ مَنْ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمَالَ الْمَوْهُوبَ لَا يَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ، وَإِنْ كَانَ يُقَالُ لَهُ: أَرْكَزَ، فَكَذَلِكَ الْمَعْدِنُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ثُمَّ نَاقَضَ إِلَى آخِرِ كَلَامِهِ فَلَيْسَ كَمَا قَالَ، وَإِنَّمَا أَجَازَ لَهُ أَبُو حَنِيفَةَ أَنْ يَكْتُمَهُ إِذَا كَانَ مُحْتَاجًا، بِمَعْنَى أَنَّهُ يَتَأَوَّلُ أَنَّ لَهُ حَقًّا فِي بَيْتِ الْمَالِ وَنَصِيبًا فِي الْفَيْءِ، فَأَجَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْخُمُسَ لِنَفْسِهِ عِوَضًا عَنْ ذَلِكَ، لَا أَنَّهُ أَسْقَطَ الْخُمُسَ عَنِ الْمَعْدِنِ اهـ. وَقَدْ نَقَلَ الطَّحَاوِيُّ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ بَطَّالٍ، وَنَقَلَ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ فِي دَارِهِ مَعْدِنًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَبِهَذَا يَتَّجِهُ اعْتِرَاضُ الْبُخَارِيِّ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ فِي الْوُجُوبِ وَعَدَمِهِ، أَنَّ الْمَعْدِنَ يَحْتَاجُ إِلَى عَمَلٍ وَمُؤْنَةٍ وَمُعَالَجَةٍ لِاسْتِخْرَاجِهِ بِخِلَافِ الرِّكَازِ، وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ الشَّرْعِ أَنَّ مَا غَلُظَتْ مُؤْنَتُهُ خُفِّفَ عَنْهُ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ، وَمَا خَفَّتْ زِيدَ فِيهِ. وَقِيلَ: إِنَّمَا جُعِلَ فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ، لِأَنَّهُ مَالُ كَافِرٍ، فَنُزِّلَ مَنْ وَجَدَهُ مَنْزِلَةَ الْغَنَائِمِ، فَكَانَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ. وَقَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: كَأَنَّ الرِّكَازَ مَأْخُوذٌ مِنْ أَرْكَزْتُهُ فِي الْأَرْضِ إِذَا غَرَزْتُهُ فِيهَا، وَأَمَّا الْمَعْدِنُ فَإِنَّهُ يَنْبُتُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ وَضْعِ وَاضِعٍ. هَذِهِ حَقِيقَتُهُمَا، فَإِذَا افْتَرَقَا فِي أَصْلِهِمَا فَكَذَلِكَ فِي حُكْمِهِمَا.

قَوْلُهُ: (الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ) فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: الْعَجْمَاءُ عَقْلُهَا جُبَارٌ، وَسَيَأْتِي فِي الدِّيَاتِ مَعَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَسُمِّيَتِ الْبَهِيمَةُ عَجْمَاءَ لِأَنَّهَا لَا تَتَكَلَّمُ.

قَوْلُهُ: (وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ) أَيْ هَدَرٌ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ، وإِنَّمَا الْمَعْنَى أَنَّ مَنِ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِلْعَمَلِ فِي مَعْدِنٍ مَثَلًا فَهَلَكَ فَهُوَ هَدَرٌ، وَلَا شَيْءَ عَلَى مَنِ اسْتَأْجَرَهُ، وَسَيَأْتِي بَسْطُهُ فِي الدِّيَاتِ.

قَوْلُهُ: (وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ) قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الِاخْتِلَافِ فِي الرِّكَازِ، وَأَنَّ الْجُمْهُورَ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّهُ الْمَالُ الْمَدْفُونُ، لَكِنْ حَصَرَهُ الشَّافِعِيَّةُ فِيمَا يُوجَدُ فِي الْمَوَاتِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا وَجَدَهُ فِي طَرِيقٍ مَسْلُوكٍ أَوْ مَسْجِدٍ فَهُوَ لُقَطَةٌ، وَإِذَا وَجَدَهُ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ فَإِنْ كَانَ الْمَالِكُ الَّذِي وَجَدَهُ فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ فَإِنِ ادَّعَاهُ الْمَالِكُ فَهُوَ لَهُ وَإِلَّا فَهُوَ لِمَنْ تَلَقَّاهُ عَنْهُ إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ الْحَالُ إِلَى مَنْ أَحْيَا تِلْكَ الْأَرْضَ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: مَنْ قَالَ مِنَ الْفُقَهَاءِ بِأَنَّ فِي الرِّكَازِ الْخُمُسَ إِمَّا مُطْلَقًا أَوْ فِي أَكْثَرِ الصُّوَرِ، فَهُوَ أَقْرَبُ إِلَى الْحَدِيثِ، وَخَصَّهُ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ: لَا يَخْتَصُّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ. وَاخْتَلَفُوا فِي مَصْرِفِهِ، فَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْجُمْهُورُ: مَصْرِفُهُ مَصْرِفُ خُمُسِ الْفَيْءِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْهِ: مَصْرِفُهُ مَصْرِفُ الزَّكَاةِ. وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ. وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ مَا إِذَا وَجَدَهُ ذِمِّيٌّ، فَعِنْدَ الْجُمْهُورِ يُخْرَجُ مِنْهُ الْخُمُسُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحَوْلُ، بَلْ يَجِبُ إِخْرَاجُ الْخُمُسِ فِي الْحَالِ. وَأَغْرَبَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ، فَحَكَى عَنِ الشَّافِعِيِّ الِاشْتِرَاطَ، وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِهِ وَلَا مِنْ كُتُبِ أَصْحَابِهِ.

٦٧ - بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا﴾ وَمُحَاسَبَةِ الْمُصَدِّقِينَ مَعَ الْإِمَامِ

١٥٠٠ - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ رَجُلًا مِنْ الْأَسْدِ عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ يُدْعَى ابْنَ اللُّتْبِيَّةِ فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ.

قَوْلُهُ: (بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا﴾ وَمُحَاسَبَةُ الْمُصَّدِّقِينَ مَعَ الْإِمَامِ) قَالَ ابنُ بَطَّالٍ: اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى