للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

صِحَّتِهِ فَلْيُؤَوَّلْ بِأَنَّ الْعَبَّاسَ تَكَلَّمَ بِمَا لَا يُعْتَقَدُ ظَاهِرُهُ مُبَالَغَةً فِي الزَّجْرِ وَرَدْعًا لِمَا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ مُخْطِئٌ فِيهِ، وَلِهَذَا لَمْ يُنْكِرْهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ لَا الْخَلِيفَةَ وَلَا غَيْرِهِ، مَعَ تَشَدُّدِهِمْ فِي إِنْكَارِ الْمُنْكَرِ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا أَنَّهُمْ فَهِمُوا بِقَرِينَةِ الْحَالِ أَنَّهُ لَا يُرِيدُ بِهِ الْحَقِيقَةَ، انْتَهَى.

وَقَدْ مَضَى بَعْضُ هَذَا فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ فِي فَرْضِ الْخُمُسِ، وَفِيهِ أَنَّنِي لَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ هَذِهِ الْقِصَّةِ عَلَى كَلَامٍ لِعَلِيٍّ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِ اسْتَبَّا بِالتَّثْنِيَةِ أَنْ يَكُونَ وَقَعَ مِنْهُ فِي حَقِّ الْعَبَّاسِ كَلَامٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ: حَاشَا عَلِيًّا أَنْ يَكُونَ ظَالِمًا وَالْعَبَّاسُ أَنْ يَكُونَ ظَالِمًا، بِنِسْبَةِ الظُّلْمِ إِلَى عَلِيٍّ وَلَيْسَ بِظَالِمٍ، وَقِيلَ: فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ، تَقْدِيرُهُ أَيْ هَذَا الظَّالِمُ إِنْ لَمْ يُنْصِفْ، أَوِ التَّقْدِيرُ هَذَا كَالظَّالِمِ وَقِيلَ هِيَ كَلِمَةٌ تُقَالُ فِي الْغَضَبِ لَا يُرَادُ بِهَا حَقِيقَتُهَا، وَقِيلَ لَمَّا كَانَ الظُّلْمُ يُفَسَّرُ بِأَنَّهُ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ تَنَاوَلَ الذَّنْبَ الْكَبِيرَ وَالصَّغِيرَ، وَتَنَاوَلَ الْخَصْلَةَ الْمُبَاحَةَ الَّتِي لَا تَلِيقُ عُرْفًا، فَيُحْمَلُ الْإِطْلَاقُ عَلَى الْأَخِيرَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

٦ - بَاب إِثْمِ مَنْ آوَى مُحْدِثًا، رَوَاهُ عَلِيٌّ عَنْ النَّبِيِّ

٧٣٠٦ - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ قَالَ: قُلْتُ لِأَنَسٍ: أَحَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ الْمَدِينَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، مَا بَيْنَ كَذَا إِلَى كَذَا، لَا يُقْطَعُ شَجَرُهَا، مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. قَالَ عَاصِمٌ: فَأَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ: أَوْ آوَى مُحْدِثًا.

قَوْلُهُ: بَابُ إِثْمِ مَنْ آوَى مُحْدِثًا) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبَعْدَ الدَّالِ مُثَلَّثَةٌ، أَيْ أَحْدَثَ الْمَعْصِيَةَ.

قَوْلُهُ (رَوَاهُ عَلِيٌّ عَنِ النَّبِيِّ تَقَدَّمَ مَوْصُولًا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَعَبْدُ الْوَاحِدِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ هُوَ ابْنُ زِيَادٍ، وَعَاصِمٌ هُوَ ابْنُ سُلَيْمَانَ الْمَعْرُوفُ بِالْأَحْوَلِ، وَقَوْلُهُ قَالَ عَاصِمٌ فَأَخْبَرَنِي هُوَ مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ.

قَوْلُهُ: مُوسَى بْنُ أَنَسٍ) ذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّ الصَّوَابَ عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ لَا عَنْ مُوسَى، قَالَ: وَالْوَهْمُ فِيهِ مِنَ الْبُخَارِيِّ أَوْ شَيْخِهِ، قَالَ عِيَاضٌ: وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَلَى الصَّوَابِ. قُلْتُ: إِنْ أَرَادَ أَنَّهُ قَالَ عَنِ النَّضْرِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا قَالَ: لَمَّا أَخْرَجَهُ عَنْ حَامِدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ أَنَسٍ، فَإِنْ كَانَ عِيَاضٌ أَرَادَ أَنَّ الْإِبْهَامَ صَوَابٌ فَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، وَالَّذِي سَمَّاهُ النَّضْرُ هُوَ مُسَدَّدٌ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ، كَذَا أَخْرَجَهُ فِي مُسْنَدِهِ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِهِ، وَقَدْ رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ عَاصِمٍ فَبَيَّنَ أَنَّ بَعْضَهُ عِنْدَهُ عَنْ أَنَسٍ نَفْسِهِ، وَبَعْضَهُ عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِيهِ، أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي مُسْتَخْرَجِهِ، وَأَبُو الشَّيْخِ فِي كِتَابِ التَّرْهِيبِ جَمِيعًا مِنْ طَرِيقِهِ عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ عَاصِمٌ: وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ أَنَسٍ أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَقُلْتُ لِلنَّضْرِ: مَا سَمِعْتُ هَذَا، يَعْنِي الْقَدْرَ الزَّائِدَ مِنْ أَنَسٍ، قَالَ: لَكِنِّي سَمِعْتُهُ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ مَرَّةٍ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ حَدِيثَيْ عَلِيٍّ، وَأَنَسٍ فِي أَوَاخِرِ الْحَجِّ فِي أَوَّلِ فَضَائِلِ الْمَدِينَةِ فِي بَابِ حَرَمِ الْمَدِينَةِ، وَذَكَرْتُ هُنَاكَ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى هَذِهِ الزِّيَادَةَ عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَنَسٍ بِدُونِ الْوَاسِطَةِ، وَأَنَّهُ مُدْرَجٌ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فِي غَيْرِ الْمَدِينَةِ، أَنَّهُ غَيْرُ مُتَوَعَّدٍ بِمِثْلِ مَا تَوَعَّدَ بِهِ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ عُلِمَ أَنَّ مَنْ آوَى أَهْلَ الْمَعَاصِي أَنَّهُ يُشَارِكُهُمْ فِي الْإِثْمِ فَإِنَّ مَنْ رَضِيَ فِعْلَ قَوْمٍ وَعَمَلَهُمُ الْتَحَقَ بِهِمْ، وَلَكِنْ خُصَّتِ الْمَدِينَةُ بِالذِّكْرِ لِشَرَفِهَا؛ لِكَوْنِهَا مَهْبِطَ الْوَحْيِ وَمَوْطِنَ الرَّسُولِ ، وَمِنْهَا انْتَشَرَ الدِّينُ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ فَكَانَ لَهَا بِذَلِكَ مَزِيدُ فَضْلٍ عَلَى