للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَوْ تَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ ثُمَّ يَتَحَمَّلُهَا السَّيِّدُ؟ وَجْهَانِ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَإِلَى الثَّانِي نَحَا الْبُخَارِيُّ، كَمَا سَيَأْتِي فِي التَّرْجَمَةِ الَّتِي تَلِي هَذِهِ.

قَوْلُهُ: (وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى) ظَاهِرُهُ وُجُوبُهَا عَلَى الْمَرْأَةِ سَوَاءٌ كَانَ لَهَا زَوْجٌ أَمْ لَا، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَاللَّيْثُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ: تَجِبُ عَلَى زَوْجِهَا إِلْحَاقًا بِالنَّفَقَةِ. وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُمْ قَالُوا: إِنْ أَعْسَرَ وَكَانَتِ الزَّوْجَةُ أَمَةً وَجَبَتْ فِطْرَتُهَا عَلَى السَّيِّدِ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ فَافْتَرَقَا، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُخْرِجُ عَنْ زَوْجَتِهِ الْكَافِرَةِ مَعَ أَنَّ نَفَقَتَهَا تَلْزَمُهُ، وَإِنَّمَا احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِمَا رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاقِرِ مُرْسَلًا نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَزَادَ فِيهِ: مِمَّنْ تَمُونُونَ وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، فَزَادَ فِي إِسْنَادِهِ ذِكْرَ عَلِيٍّ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ أَيْضًا. وَأَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ أَيْضًا.

قَوْلُهُ: (وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ) ظَاهِرُهُ وُجُوبُهَا عَلَى الصَّغِيرِ، لَكِنَّ الْمُخَاطَبَ عَنْهُ وَلِيُّهُ، فَوُجُوبُهَا عَلَى هَذَا فِي مَالِ الصَّغِيرِ، وَإِلَّا فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: هِيَ عَلَى الْأَبِ مُطْلَقًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: لَا تَجِبُ إِلَّا عَلَى مَنْ صَامَ، وَاسْتُدِلَّ لَهُمَا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: صَدَقَةُ الْفِطْرِ طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذِكْرَ التَّطْهِيرِ خَرَجَ عَلَى الْغَالِبِ كَمَا أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ لَمْ يُذْنِبْ كَمُتَحَقِّقِ الصَّلَاحِ أَوْ مَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ بِلَحْظَةٍ، وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى الْجَنِينِ، قَالَ: وَكَانَ أَحْمَدُ يَسْتَحِبُّهُ وَلَا يُوجِبُهُ، وَنَقَلَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ رِوَايَةً عَنْهُ بِالْإِيجَابِ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ، لَكِنْ قَيَّدَهُ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا مِنْ يَوْمِ حَمْلِ أُمِّهِ بِهِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْحَمْلَ غَيْرُ مُحَقَّقٍ، وَبِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى صَغِيرًا لُغَةً وَلَا عُرْفًا، وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ. عَلَى أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْفَقِيرِ كَمَا تَجِبُ عَلَى الْغَنِيِّ، وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَفِي حَدِيثِ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صُغيْرٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَعَنِ الْحَنَفِيَّةِ لَا تَجِبُ إِلَّا عَلَى مَنْ مَلَكَ نِصَابًا، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى الْفَقِيرِ عَلَى قَاعِدَتِهِمْ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ، وَاسْتُدِلَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمِ: لَا صَدَقَةَ إِلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى.

وَاشْتَرَطَ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فَاضِلًا عَنْ قُوتِ يَوْمِهِ وَمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ. وَقَالَ ابْنُ بَزِيزَةَ: لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى اعْتِبَارِ النِّصَابِ فِيهَا، لِأَنَّهَا زَكَاةٌ بَدَنِيَّةٌ لَا مَالِيَّةٌ.

قَوْلُهُ: (مِنَ الْمُسْلِمِينَ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَالِكًا تَفَرَّدَ بِهَا، وَسَيَأْتِي بَسْطُ ذَلِكَ فِي الْأَبْوَابِ الَّذي بَعْدَهُ.

قَوْلُهُ: (وَأَمَرَ بِهَا. . . إِلَخْ) اسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى كَرَاهَةِ تَأْخِيرِهَا عَنْ ذَلِكَ، وَحَمَلَهُ ابْنُ حَزْمٍ عَلَى التَّحْرِيمِ، وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِي ذَلِكَ بَعْدَ أَبْوَابٍ.

٧١ - بَاب صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَلَى الْعَبْدِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ

١٥٠٤ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ.

قَوْلُهُ: (بَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَلَى الْعَبْدِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَرَى أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ وَإِنْ كَانَ سَيِّدُهُ يَتَحَمَّلُهَا عَنْهُ، وَيُؤَيِّدُهُ عَطْفُ الصَّغِيرِ عَلَيْهِ فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي يُخْرِجُهَا غَيْرُهُ.

قَوْلُهُ: (مِنَ الْمُسْلِمِينَ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ تَخْتَلِفِ الرُّوَاةُ عَنْ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ، إِلَّا أَنَّ قُتَيْبَةَ بْنَ سَعِيدٍ رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ بِدُونِهَا، وَأَطْلَقَ أَبُو قِلَابَةَ الرِّقَاشِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ وَابْنُ الصَّلَاحِ وَمَنْ تَبِعَهُ أَنَّ مَالِكًا تَفَرَّدَ بِهَا دُونَ أَصْحَابِ نَافِعٍ، وَهُوَ مُتَعَقَّبٌ بِرِوَايَةِ عُمَرَ