السَّابِقَةِ، وَتَأَهَّلُوا لِأَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمُ الذُّنُوبَ اللَّاحِقَةَ إِنْ وَقَعَتْ، أَيْ كُلُّ مَا عَمِلْتُمُوهُ بَعْدَ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ مِنْ أَيِّ عَمَلٍ كَانَ فَهُوَ مَغْفُورٌ. وَقِيلَ: إِنَّ الْمُرَادَ ذُنُوبُهُمْ تَقَعُ إِذَا وَقَعَتْ مَغْفُورَةً. وَقِيلَ: هِيَ بِشَارَةٌ بِعَدَمِ وُقُوعِ الذُّنُوبِ مِنْهُمْ، وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ لِمَا سَيَأْتِي فِي قِصَّةِ قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ حِينَ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي أَيَّامِ عُمَرَ وَحَدَّهُ عُمَرُ، فَهَاجَرَ بِسَبَبِ ذَلِكَ، فَرَأَى عُمَرُ فِي الْمَنَامِ مَنْ يَأْمُرُهُ بِمُصَالَحَتِهِ، وَكَانَ قُدَامَةُ بَدْرِيًّا.
وَالَّذِي يُفْهَمُ مِنْ سِيَاقِ الْقِصَّةِ الِاحْتِمَالُ الثَّانِي وَهُوَ الَّذِي فَهِمَهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ التَّابِعِيُّ الكبير حَيْثُ قَالَ لِحَيَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ: قَدْ عَلِمْتُ الَّذِي جَرَّأَ صَاحِبَكَ عَلَى الدِّمَاءِ، وَذَكَرَ لَهُ هَذَا الْحَدِيثَ، وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي بَابِ اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّينَ. وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْبِشَارَةَ الْمَذْكُورَةَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِأَحْكَامِ الْآخِرَةِ لَا بِأَحْكَامِ الدُّنْيَا مِنْ إِقَامَةِ الْحُدُودِ وَغَيْرِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
١٠ - بَاب
٣٩٨٤ - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْغَسِيلِ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ، وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ، عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ ﵁ قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ بَدْرٍ: إِذَا أَكْثَبُوكُمْ فَارْمُوهُمْ، وَاسْتَبْقُوا نَبْلَكُمْ.
٣٩٨٥ - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْغَسِيلِ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ، وَالْمُنْذِرِ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ، عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ ﵁ قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ بَدْرٍ: إِذَا أَكْثَبُوكُمْ - يَعْنِي أكثَرُوكُمْ - فَارْمُوهُمْ، وَاسْتَبْقُوا نَبْلَكُمْ.
قَوْلُهُ: (بَابُ) كَذَا فِي الْأُصُولِ بِغَيْرِ تَرْجَمَةٍ. وَهُوَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِبَدْرٍ أَيْضًا، وَأَبُو أَحْمَدَ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ الزُّبَيْرِيُّ كَمَا نَسَبَهُ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَهَا.
قَوْلُهُ: (عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ، وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ) كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَوَقَعَ فِي الَّتِي بَعْدَهَا الزُّبَيْرُ بْنُ أَبِي أُسَيْدٍ، فَقِيلَ: هُوَ عَمُّهُ وَقِيلَ: هُوَ هُوَ لَكِنْ نُسِبَ إِلَى جَدِّهِ، وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ. وَأَبْعَدَ مَنْ قَالَ: إِنَّ الزُّبَيْرَ هُوَ الْمُنْذِرُ نَفْسُهُ.
قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ) بِالتَّصْغِيرِ وَهُوَ مَالِكُ بْنُ رَبِيعَةَ الْخَزْرَجِيُّ السَّاعِدِيُّ.
قَوْلُهُ: (إِذَا أَكْثَبُوكُمْ) بِمُثَلَّثَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ أَيْ إِذَا قَرَبُوا مِنْكُمْ، وَوَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ يَعْنِي أَكْثَرُوكُمْ وَهُوَ تَفْسِيرٍ لَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ اللُّغَةِ، وَقَدْ قَدَّمْتُ فِي الْجِهَادِ أَنَّ الدَّاوُدِيَّ فَسَّرَهُ بِذَلِكَ وَأَنَّهُ أُنْكِرَ عَلَيْهِ، فَعَرَفْنَا الْآنَ مُسْتَنَدَهُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ مَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، لَكِنْ يُتَّجَهُ الْإِنْكَارُ لِكَوْنِهِ تَفْسِيرًا لَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ اللُّغَةِ وَكَأَنَّهُ مِنْ بَعْضِ رُوَاتِهِ، فَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ يَعْنِي غَشَوْكُمْ وَهُوَ بِمُعْجَمَتَيْنِ وَالتَّخْفِيفِ وَهُوَ أَشْبَهُ بِالْمُرَادِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَقَعَ عِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ لَا يَحْمِلُوا عَلَى الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يَأْمُرَهُمْ وَقَالَ: إِذَا أَكْثَبُوكُمْ فَانْضَحُوهُمْ عَنْكُمْ بِالنَّبْلِ وَالْهَمْزَةُ فِي قَوْلِهِ أَكْثَبُوكُمْ لِلتَّعَدِّيَةِ مِنْ كَثَبَ بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ الْقُرْبُ، قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: أَكْثَبَ الصَّيْدُ إِذَا أَمْكَنَ مِنْ نَفْسِهِ، فَالْمَعْنَى إِذَا قَرُبُوا مِنْكُمْ فَأَمْكَنُوكُمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فَارْمُوهُمْ.
قَوْلُهُ: (فَارْمُوهُمْ وَاسْتَبْقُوا نَبْلَكُمْ) بِسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ فِعْلُ أَمْرٍ بِالِاسْتِبْقَاءِ، أَيْ طَلَبِ الْإِبْقَاءِ، قَالَ الدَّاوُدِيُّ: مَعْنَى قَوْلِهِ: ارْمُوهُمْ أَيْ بِالْحِجَارَةِ لِأَنَّهَا لَا تَكَادُ تُخْطِئُ إِذَا رُمِيَ بِهَا فِي الْجَمَاعَةِ، قَالَ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: اسْتَبْقُوا نَبْلَكُمْ أَيْ إِلَى أَنْ تَحْصُلَ الْمُصَادَمَةُ، كَذَا قَالَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: الْمَعْنَى ارْمُوهُمْ بِبَعْضِ نَبْلِكُمْ لَا بِجَمِيعِهَا. وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: وَاسْتَبْقُوا نَبْلَكُمْ لَا يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ: ارْمُوهُمْ وَإِنَّمَا هُوَ كَالْبَيَانِ لِلْمُرَادِ بِالْأَمْرِ بِتَأْخِيرِ الرَّمْيِ حَتَّى يَقْرَبُوا مِنْهُمْ، أَيْ