رِوَايَةٍ بِوُقُوعِ التَّطْلِيقِ وَكَذَا جَزْمُ النَّاسِ الَّذِينَ رَآهُمْ عُمَرُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ بِذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ شَاعَ بَيْنَهُمْ ذَلِكَ مِنْ شَخْصٍ بِنَاءً عَلَى التَّوَهُّمِ الَّذِي تَوَهَّمَهُ مِنِ اعْتِزَالِ النَّبِيِّ ﷺ نِسَاءَهُ، فَظَنَّ لِكَوْنِهِ لَمْ تَجْرِ عَادَتُهُ بِذَلِكَ أَنَّهُ طَلَّقَهُنَّ، فَأَشَاعَ أَنَّهُ طَلَّقَهُنَّ فَشَاعَ ذَلِكَ فَتَحَدَّثَ النَّاسُ بِهِ، وَأَخْلَقُ بِهَذَا الَّذِي ابْتَدَأَ بِإِشَاعَةِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَفِيهِ الِاكْتِفَاءُ بِمَعْرِفَةِ الْحُكْمِ بِأَخْذِهِ عَنِ الْقَرِينِ مَعَ إِمْكَانِ أَخْذِهِ عَالِيًا عَمَّنْ أَخَذَهُ عَنْهُ الْقَرِينُ، وَأَنَّ الرَّغْبَةَ فِي الْعُلُوِّ حَيْثُ لَا يَعُوقُ عَنْهُ عَائِقٌ شَرْعِيٌّ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادَ بِذَلِكَ أَنْ يَسْتَفِيدَ مِنْهُ أُصُولَ مَا يَقَعُ فِي غَيْبَتِهِ ثُمَّ يَسْأَلُ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ مُشَافَهَةً، وَهَذَا أَحَدُ فَوَائِدِ كِتَابَةِ أَطْرَافِ الْحَدِيثِ.
وَفِيهِ مَا كَانَ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ مِنْ مَحَبَّةِ الِاطِّلَاعِ عَلَى أَحْوَالِ النَّبِيِّ ﷺ جَلَّتْ أَوْ قَلَّتْ، وَاهْتِمَامُهُمْ بِمَا يَهْتَمُّ لَهُ لِإِطْلَاقِ الْأَنْصَارِيِّ اعْتِزَالَهُ نِسَاءَهُ الَّذِي أَشْعَرَ عِنْدَهُ بِأَنَّهُ طَلَاقَهُنَّ الْمُقْتَضِيَ وُقُوعَ غَمِّهِ ﷺ بِذَلِكَ أَعْظَمُ مِنْ طُرُوقِ مَلِكِ الشَّامِ الْغَسَّانِيِّ بِجُيُوشِهِ الْمَدِينَةَ لِغَزْوِ مَنْ بِهَا، وَكَانَ ذَلِكَ بِالنَّظَرِ إِلَى أَنَّ الْأَنْصَارِيَّ كَانَ يَتَحَقَّقُ أَنَّ عَدُوَّهُمْ وَلَوْ طَرَقَهُمْ مَغْلُوبٌ وَمَهْزُومٌ وَاحْتِمَالُ خِلَافِ ذَلِكَ ضَعِيفٌ، بِخِلَافِ الَّذِي وَقَعَ بِمَا تَوَهَّمَهُ مِنَ التَّطْلِيقِ الَّذِي يَتَحَقَّقُ مَعَهُ حُصُولُ الْغَمِّ وَكَانُوا فِي الطَّرَفِ الْأَقْصَى مِنْ رِعَايَةِ خَاطِرِهِ ﷺ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ تَشْوِيشٌ وَلَوْ قَلَّ وَالْقَلَقُ لِمَا يُقْلِقُهُ وَالْغَضَبُ لِمَا يُغْضِبُهُ وَالْهَمُّ لِمَا يُهِمُّهُ ﵃.
وَفِيهِ أَنَّ الْغَضَبَ وَالْحُزْنَ يَحْمِلُ الرَّجُلَ الْوَقُورَ عَلَى تَرْكِ التَّأَنِّي الْمَأْلُوفِ مِنْهُ لِقَوْلِ عُمَرَ: ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. وَفِيهِ شِدَّةُ الْفَزَعِ وَالْجَزَعِ لِلْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ، وَجَوَازُ نَظَرِ الْإِنْسَانِ إِلَى نَوَاحِي بَيْتِ صَاحِبِهِ وَمَا فِيهِ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَكْرَهُ ذَلِكَ، وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ مَا وَقَعَ لِعُمَرَ وَبَيْنَ مَا وَرَدَ مِنَ النَّهْيِ عَنْ فُضُولِ النَّظَرِ، أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ النَّوَوِيُّ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَظَرُ عُمَرَ فِي بَيْتِ النَّبِيِّ ﷺ وَقَعَ أَوَّلًا اتِّفَاقًا فَرَأَى الشَّعِيرَ وَالْقَرَظَ مَثَلًا فَاسْتَقَلَّهُ فَرَفَعَ رَأْسَهُ لِيَنْظ رَ هَلْ هُنَاكَ شَيْءٌ أَنْفَسُ مِنْهُ فَلَمْ يَرَ إِلَّا الْأُهُبَ فَقَالَ مَا قَالَ، وَيَكُونُ النَّهْيُ مَحْمُولًا عَلَى مَنْ تَعَمَّدَ النَّظَرَ فِي ذَلِكَ وَالتَّفْتِيشِ ابْتِدَاءً. وَفِيهِ كَرَاهَةُ سُخْطِ النِّعْمَةِ وَاحْتِقَارِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ وَلَوْ كَانَ قَلِيلًا وَالِاسْتِغْفَارُ مِنْ وُقُوعِ ذَلِكَ وَطَلَبُ الِاسْتِغْفَارِ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ وَإِيثَارُ الْقَنَاعَةِ وَعَدَمُ الِالْتِفَاتِ إِلَى مَا خُصَّ بِهِ الْغَيْرُ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا الْفَانِيَةِ. وَفِيهِ الْمُعَاقَبَةُ عَلَى إِفْشَاءِ السِّرِّ بِمَا يَلِيقُ بِمَنْ أَفْشَاهُ.
٨٤ - بَاب صَوْمِ الْمَرْأَةِ بِإِذْنِ زَوْجِهَا تَطَوُّعًا
٥١٩٢ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قال: لَا تَصُومُ الْمَرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ.
قَوْلُهُ (بَابُ صَوْمِ الْمَرْأَةِ بِإِذْنِ زَوْجِهَا تَطَوُّعًا) هَذَا الْأَصْلُ لَمْ يَذْكُرْهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ، وَذَكَرَهُ أَبُو مَسْعُودٍ فِي أَفْرَادِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبَى هُرَيْرَةَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ مُسْلِمًا ذَكَرَهُ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ، وَوَقَعَ لِلْمِزَّيِّ فِي الْأَطْرَافِ فِيهِ وَهْمٌ بَيَّنْتُهُ فِيمَا كَتَبْتُهُ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ (لَا تَصُومُ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَهُوَ بِلَفْظِ الْخَبَرِ وَالْمُرَادُ بِهِ النَّهْيُ، وَأَغْرَبَ ابْنُ التِّينِ، وَالْقُرْطُبِيُّ فَخَطَّآ رِوَايَةَ الرَّفْعِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلْمُسْتَمْلِي لَا تَصُومَنَّ بِزِيَادَةِ نُونِ التَّوْكِيدِ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ بِلَفْظِ لَا تَصُمْ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى بَعْدَ بَابٍ وَاحِدٍ.
٨٥ - بَاب إِذَا بَاتَتْ الْمَرْأَةُ مُهَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا
٥١٩٣ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute