للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بِالنَّبَاتِ فَلَا يُعْجِبُهُمْ إِلَّا الْمُعْجِبُ حَقِيقَةً انْتَهَى مُلَخَّصًا.

وَقَوْلُهُ فِي آخِرِ الْآيَةِ ﴿وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ قَالَ الْفَرَّاءُ: لَا يُوقَفُ عَلَى شَدِيدٍ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْكَلَامِ أَنَّهَا إِمَّا عَذَابٌ شَدِيدٌ وَإِمَّا مَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ، وَاسْتَحْسَنَ غَيْرُهُ الْوَقْفَ عَلَى شَدِيدٍ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي التَّنْفِيرِ مِنَ الدُّنْيَا وَالتَّقْدِيرُ لِلْكَافِرِينَ، وَيَبْتَدِئُ ﴿وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ﴾ أَيْ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَقِيلَ: إِنَّ قَوْلَهُ ﴿وَفِي الآخِرَةِ﴾ قَسِيمٌ لِقولِهِ ﴿إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾، وَالْأَوَّلُ صِفَةُ الدُّنْيَا وَهِيَ اللَّعِبُ وَسَائِرُ مَا ذَكَرَ، وَالثَّانِي صِفَةُ الْآخِرَةِ وَهِيَ عَذَابٌ شَدِيدٌ لِمَنْ عَصَى وَمَغْفِرَةٌ وَرِضْوَانٌ لِمَنْ أَطَاعَ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ .. إِلَخْ فَهُوَ تَأْكِيدٌ لِمَا سَبَقَ أَيْ تَغُرُّ مَنْ ركَنَّ إِلَيْهَا وَأَمَّا التَّقِيُّ فَهِيَ لَهُ بَلَاغٌ إِلَى الْآخِرَةِ، وَلَمَّا أَوْرَدَ الْغَزَالِيُّ حَدِيثَ الْمُسْتَوْرِدِ فِي الْإِحْيَاءِ عَقَّبَهُ بِأَنْ قَالَ مَا مُلَخَّصُهُ: اعْلَمْ أَنَّ مَثَلَ أَهْلِ الدُّنْيَا فِي غَفْلَتِهِمْ كَمَثَلِ قَوْمٍ رَكِبُوا سَفِينَةً فَانْتَهَوْا إِلَى جَزِيرَةٍ مُعْشِبَةٍ فَخَرَجُوا لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فَحَذَّرَهُمُ الْمَلَّاحُ مِنَ التَّأَخُّرِ فِيهَا وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُقِيمُوا بِقَدْرِ حَاجَتِهِمْ وَحَذَّرَهُمْ أَنْ يُقْلِعَ بِالسَّفِينَةِ وَيَتْرُكَهُمْ فَبَادَرَ بَعْضُهُمْ فَرَجَعَ سَرِيعًا فَصَادَفَ أَحْسَنَ الْأَمْكِنَةِ وَأَوْسَعَهَا فَاسْتَقَرَّ فِيهِ وَانْقَسَمَ الْبَاقُونَ فِرَقًا: الْأُولَى: اسْتَغْرَقَتْ فِي النَّظَرِ إِلَى أَزْهَارِهَا الْمُونِقَةِ وَأَنْهَارِهَا الْمُطَّرِدَةِ وَثِمَارِهَا الطَّيِّبَةِ وَجَوَاهِرِهَا وَمَعَادِنهَا ثُمَّ اسْتَيْقَظَ فَبَادَرَ إِلَى السَّفِينَةِ فَلَقِيَ مَكَانًا دُونَ الْأَوَّلِ فَنَجَا فِي الْجُمْلَةِ، الثَّانِيَةُ: كَالْأُولَى لَكِنَّهَا أَكَبَّتْ عَلَى تِلْكَ الْجَوَاهِرِ وَالثِّمَارِ وَالْأَزْهَارِ وَلَمْ تَسْمَحْ نَفْسُهُ لِتَرْكِهَا فَحَمَلَ مِنْهَا مَا قَدَرَ عَلَيْهِ فَتَشَاغَلَ بِجَمْعِهِ وَحَمْلِهِ فَوَصَلَ إِلَى السَّفِينَةِ فَوَجَدَ مَكَانًا أَضْيَقَ مِنَ الْأَوَّلِ وَلَمْ تَسْمَحْ نَفْسُهُ بِرَمْيِ مَا اسْتَصْحَبَهُ فَصَارَ مُثْقَلًا بِهِ، ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ ذَبَلَتِ الْأَزْهَارُ وَيَبِسَتِ الثِّمَارُ وَهَاجَتِ الرِّيَاحُ فَلَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنْ إِلْقَاءِ مَا اسْتَصْحَبَهُ حَتَّى نَجَا بِحُشَاشَةِ نَفْسِهِ، الثَّالِثَةُ: تَوَلَّجَتْ فِي الْغِيَاضِ وَغَفَلَتْ عَنْ وَصِيَّةِ الْمَلَّاحِ ثُمَّ سَمِعُوا نِدَاءَهُ بِالرَّحِيلِ فَمَرَّتْ فَوَجَدَتِ السَّفِينَةَ سَارَتْ فَبَقِيَتْ بِمَا اسْتَصْحَبَتْ فِي الْبَرِّ حَتَّى هَلَكَتْ، وَالرَّابِعَةُ: اشْتَدَّتْ

بِهَا الْغَفْلَةُ عَنْ سَمَاعِ النِّدَاءِ وَسَارَتِ السَّفِينَةُ فَتَقَسَّمُوا فِرَقًا، مِنْهُمْ مَنِ افْتَرَسَتْهُ السِّبَاعُ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَاهَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى هَلَكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ مَاتَ جُوعًا، وَمِنْهُمْ مَنْ نَهَشَتْهُ الْحَيَّاتُ. قَالَ: فَهَذَا مِثْلُ أَهْلِ الدُّنْيَا فِي اشْتِغَالِهِمْ بِحُظُوظِهِمُ الْعَاجِلَةِ وَغَفْلَتِهِمْ عَنْ عَاقِبَةِ أَمْرِهِمْ، ثُمَّ خَتَمَ بِأَنْ قَالَ: وَمَا أَقْبَحَ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ بَصِيرٌ عَاقِلٌ أَنْ يَغْتَرَّ بِالْأَحْجَارِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْهَشِيمِ مِنَ الْأَزْهَارِ وَالثِّمَارِ وَهُوَ لَا يَصْحَبُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.

٣ - بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ : كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ.

٦٤١٦ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو المُنْذِرِ الطُّفَاوِيُّ، عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ قَالَ: حَدَّثَنِي مُجَاهِدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ بِمَنْكِبِي فَقَالَ: كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الْمَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ.

قَوْلُهُ (بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ : كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ) هَكَذَا تَرْجَمَ بِبَعْضِ الْخَبَرِ إِشَارَةً إِلَى ثُبُوتِ رَفْعِ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ وَأَنَّ مَنْ رَوَاهُ مَوْقُوفًا قَصَّرَ فِيهِ.

قَوْلُهُ (عَنِ الْأَعْمَشِ، حَدَّثَنِي مُجَاهِدٌ) أَنْكَرَ الْعُقَيْلِيُّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ وَهِيَ حَدَّثَنِي مُجَاهِدٌ وَقَالَ: إِنَّمَا رَوَاهُ الْأَعْمَشُ بِصِيغَةِ عَنْ مُجَاهِدٍ، كَذَلِكَ رَوَاهُ أَصْحَابُ الْأَعْمَشِ عَنْهُ وَكَذَا