وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ.
وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا - وَنَقَلَهُ الْمُزَنِيُّ، عَنِ الشَّافِعِيِّ - أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إِلَّا لِمَنْ أَضْعَفَهُ صَوْمُهُ عَنِ الْعِبَادَةِ الَّتِي تَقَعُ فِيهِ مِنَ الصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ، وَالثَّانِي وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ كَقَوْلِ الْجُمْهُورِ، وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ النَّهْيِ عَنْ إِفْرَادِهِ عَلَى أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: لِكَوْنِهِ يَوْمَ عِيدٍ، وَالْعِيدُ لَا يُصَامُ، وَاسْتُشْكِلَ ذَلِكَ مَعَ الْإِذْنِ بِصِيَامِهِ مَعَ غَيْرِهِ.
وَأَجَابَ ابْنُ الْقَيِّمِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ شَبَهَهُ بِالْعِيدِ لَا يَسْتَلْزِمُ اسْتِوَاءَهُ مَعَهُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، وَمَنْ صَامَ مَعَهُ غَيْرَهُ انْتَفَتْ عَنْهُ صُورَةُ التَّحَرِّي بِالصَّوْمِ. ثَانِيهَا لِئَلَّا يَضْعُفَ عَنِ الْعِبَادَةِ وَهَذَا اخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ، وَتُعُقِّبَ بِبَقَاءِ الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ مَعَ صَوْمِ غَيْرِهِ مَعَهُ، وَأَجَابَ بأَنَّهُ يَحْصُلُ بِفَضِيلَةِ الْيَوْمِ الَّذِي قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ جَبْرُ مَا يَحْصُلُ يَوْمَ صَوْمِهِ مِنْ فُتُورٍ أَوْ تَقْصِيرٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْجُبْرَانَ لَا يَنْحَصِرُ فِي الصَّوْمِ، بَلْ يَحْصُلُ بِجَمِيعِ أَفْعَالِ الْخَيْرِ فَيَلْزَمُ مِنْهُ جَوَازُ إِفْرَادِهِ لِمَنْ عَمِلَ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا يَقُومُ مَقَامَ صِيَامِ يَوْمٍ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ كَمِنْ أَعْتَقَ فِيهِ رَقَبَةً مَثَلًا وَلَا قَائِلَ بِذَلِكَ. وَأَيْضًا فَكَأَنَّ النَّهْيَ يَخْتَصُّ بِمَنْ يُخْشَى عَلَيْهِ الضَّعْفُ لَا مَنْ يَتَحَقَّقُ الْقُوَّةَ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الْمَظِنَّةَ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْمَئِنَّةِ كَمَا فِي جَوَازِ الْفِطْرِ فِي السَّفَرِ لِمَنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ. ثَالِثُهَا خَوْفُ الْمُبَالَغَةِ فِي تَعْظِيمِهِ فَيُفْتَتَنُ بِهِ كَمَا افْتُتِنَ الْيَهُودُ بِالسَّبْتِ، وَهُوَ مُنْتَقَضٌ بِثُبُوتِ تَعْظِيمِهِ بِغَيْرِ الصِّيَامِ، وَأَيْضًا فَالْيَهُودُ لَا يُعَظِّمُونَ السَّبْتَ بِالصِّيَامِ، فَلَوْ كَانَ الْمَلْحُوظُ تَرْكَ مُوَافَقَتِهِمْ لَتَحَتَّمَ صَوْمُهُ؛ لِأَنَّهُم لَا يَصُومُونَهُ. وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةِ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَصُومُ مِنَ الْأَيَّامِ السَّبْتَ وَالْأَحَدَ، وَكَانَ يَقُولُ: إِنَّهُمَا يَوْمَا عِيدٍ لِلْمُشْرِكِينَ فَأُحِبُّ أَنْ أُخَالِفَهُمْ.
رَابِعُهَا: خَوْفُ اعْتِقَادِ وُجُوبِهِ، وَهُوَ مُنْتَقَضٌ بِصَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ مَا وَرَدَ فِيهِمَا فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ. خَامِسُهَا: خَشْيَة أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْهِمْ كَمَا خَشِيَ ﷺ مِنْ قِيَامِهِمُ اللَّيْلَ ذَلِكَ، قَالَ الْمُهَلَّبُ: وَهُوَ مُنْتَقَضٌ بِإِجَازَةِ صَوْمِهِ مَعَ غَيْرِهِ، وَبِأَنِّهِ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَجَازَ بَعْدَهُ ﷺ لِارْتِفَاعِ السَّبَبِ، لَكِنَّ الْمُهَلَّبَ حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ اعْتِقَادُهُ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ عَلَى ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ. سَادِسُهَا: مُخَالَفَةُ النَّصَارَى؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ صَوْمُهُ وَنَحْنُ مَأْمُورُونَ بِمُخَالَفَتِهِمْ، نَقَلَهَا الْقَمُولِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَأَقْوَى الْأَقْوَالِ وَأَوْلَاهَا بِالصَّوَابِ أَوَّلُهَا، وَوَرَدَ فِيهِ صَرِيحًا حَدِيثَانِ: أَحَدُهُمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ عَامِرِ بْنِ لُدَيْنٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمُ عِيدٍ، فَلَا تَجْعَلُوا يَوْمَ عِيدِكُمْ يَوْمَ صِيَامِكُمْ، إِلَّا أَنْ تَصُومُوا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ. وَالثَّانِي رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَلِيٍّ وَقَالَ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُتَطَوِّعًا مِنَ الشَّهْرِ فَلْيَصُمْ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَلَا يَصُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ؛ فَإِنَّهُ يَوْمُ طَعَامٍ وَشَرَابٍ وَذِكْرٍ.
٦٤ - بَاب هَلْ يَخُصُّ شَيْئًا مِنْ الْأَيَّامِ؟
١٩٨٧ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ ﵂: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَخْتَصُّ مِنْ الْأَيَّامِ شَيْئًا؟ قَالَتْ: لَا، كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً، وَأَيُّكُمْ يُطِيقُ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُطِيقُ؟!
[الحديث ١٩٨٧ - طرفه في: ٦٤٦٦]
قَوْلُهُ: (بَابُ هَلْ يَخُصُّ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ، أَيِ: الْمُكَلَّفُ (شَيْئًا مِنَ الْأَيَّامِ) وَفِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ يُخَصُّ شَيْءٌ بِضَمِّ أَوَّلِ يُخَصُّ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ: شَيْءٌ مِنَ الْأَيَّامِ، قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ وَغَيْرُهُ: لَمْ يَجْزِمْ بِالْحُكْمِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ إِدَامَتُهُ ﷺ الْعِبَادَةَ وَمُوَاظَبَتَهُ عَلَى وَظَائِفِهَا، وَيُعَارِضُهُ مَا صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ نَفْسِهَا مِمَّا يَقْتَضِي نَفْيَ الْمُدَاوَمَةِ، وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute