للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَحْدَهُ إِلَّا فِي أَيَّامٍ مَعَهُ.

وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ لَيْلَى امْرَأَةِ بَشِيرِ بْنِ الْخَصَاصِيَةِ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ فَقَالَ: لَا تَصُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَّا فِي أَيَّامٍ هُوَ أَحَدُهَا، وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تُقَيِّدُ النَّهْيَ الْمُطْلَقَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ، وَتُؤَيِّدُ الزِّيَادَةَ الَّتِي تَقَدَّمَتْ مِنْ تَقْيِيدِ الْإِطْلَاقِ بِالْإِفْرَادِ، وَيُؤْخَذُ مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ جَوَازُهُ لِمَنْ صَامَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ أَوِ اتَّفَقَ وُقُوعُهُ فِي أَيَّامٍ لَهُ عَادَةٌ بِصَوْمِهَا كَمَنْ يَصُومُ أَيَّامَ الْبِيضِ أَوْ مَنْ لَهُ عَادَةٌ بِصَوْمِ يَوْمٍ مُعَيَّنٍ كَيَوْمِ عَرَفَةَ فَوَافَقَ يَوْمَ الْجُمْعَةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ صَوْمِهِ لِمَنْ نَذَرَ يَوْمَ قُدُومِ زَيْدٍ مَثَلًا أَوْ يَوْمَ شِفَاءِ فُلَانٍ.

الحديث الثالث قَوْلُهُ: (وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ) لَمْ يُنْسَبْ مُحَمَّدٌ الْمَذْكُورُ فِي شَيْءٍ مِنَ الطُّرُقِ، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ بُنْدَارٌ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَبِذَلِكَ جَزَمَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِهِ، وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَثْنَى جَمِيعًا عَنْ غُنْدَرٍ.

قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي أَيُّوبَ) فِي رِوَايَةِ يُوسُفَ الْقَاضِي فِي الصِّيَامِ لَهُ مِنْ طَرِيقِ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ: سَمِعْتُ أَبَا أَيُّوبَ وَوَافَقَهُ هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ: عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْعَتَكِيِّ وَهُوَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُثَنَّاةِ نِسْبَةً إِلَى بَطْنٍ مِنَ الْأَزْدِ، وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا: الْمَرَاغِيُّ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالرَّاءِ ثُمَّ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، وَهَمَّامٍ، وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ جَمِيعًا عَنْ قَتَادَةَ، وَلَيْسَ لِجُوَيْرِيَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَتِهَا سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ، وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ بِمَعْنَى حَدِيثِ جُوَيْرِيَةَ، وَاتَّفَقَ شُعْبَةُ، وَهَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ عَلَى هَذَا الْإِسْنَادِ، وَخَالَفَهُمَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ فَقَالَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَنَّ النَّبِيَّ دَخَلَ عَلَى جُوَيْرِيَةَ فَذَكَرَهُ، أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالرَّاجِحُ طَرِيقُ شُعْبَةَ لِمُتَابَعَةِ هَمَّامٍ، وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ لَهُ، وَكَذَا حَمَّادُ بْنُ الْجَعْدِ كَمَا سَيَأْتِي، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ طَرِيقُ سَعِيدٍ مَحْفُوظَةً أَيْضًا، فَإِنَّ مَعْمَرًا رَوَاهُ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَيْضًا لَكِنْ أَرْسَلَهُ.

قَوْلُهُ: (أَفْطِرِي) زَادَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي رِوَايَتِهِ إِذًا.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ الْجَعْدِ. . . إِلَخْ) وَصَلَهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ فِي جَمْعِ حَدِيثِ هُدْبَةَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هُدْبَةُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ الْجَعْدِ سُئِلَ قَتَادَةُ عَنْ صِيَامِ النَّبِيِّ فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوبَ فَذَكَرَهُ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: فَأَمَرَهَا فَأَفْطَرَتْ وَحَمَّادُ بْنُ الْجَعْدِ فِيهِ لِينٌ، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْمَوْضِعِ. وَاسْتَدَلَّ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ عَلَى مَنْعِ إِفْرَادِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِالصِّيَامِ، وَنَقَلَهُ أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ، وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْمُنْذِرِ: ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ كَمَا ثَبَتَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ، وَزَادَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الْأَمْرَ بِفِطْرِ مَنْ أَرَادَ إِفْرَادَهُ بِالصَّوْمِ، فَهَذَا قَدْ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ يَرَى بِتَحْرِيمِهِ.

وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ: يُفَرَّقُ بَيْنَ الْعِيدِ وَالْجُمُعَةِ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى تَحْرِيمِ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ، وَلَوْ صَامَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ، بِخِلَافِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى جَوَازِ صَوْمِهِ لِمَنْ صَامَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ. وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ حَزْمٍ مَنْعَ صَوْمِهِ عَنْ عَلِيٍّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَسَلْمَانَ، وَأَبِي ذَرٍّ، قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: لَا نَعْلَمُ لَهُمْ مُخَالِفًا مِنَ الصَّحَابَةِ. وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ النَّهْيَ فِيهِ لِلتَّنْزِيهِ، وَعَنْ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ لَا يُكْرَهُ، قَالَ مَالِكٌ: لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ يَنْهَى عَنْهُ، قَالَ الدَّاوُدِيُّ: لَعَلَّ النَّهْيَ مَا بَلَغَ مَالِكًا. وَزَعَمَ عِيَاضٌ أَنَّ كَلَامَ مَالِكٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ النَّهْيُ عَنْ إِفْرَادِهِ؛ لِأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُخَصَّ يَوْمٌ مِنَ الْأَيَّامِ بِالْعِبَادَةِ، فَيَكُونَ لَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ. وَعَابَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ قَوْلَ عَبْدِ الْوَهَّابِ مِنْهُمْ: يَوْمٌ لَا يُكْرَهُ صَوْمُهُ مَعَ غَيْرِهِ فَلَا يُكْرَهُ وَحْدَهُ. لِكَوْنِهِ قِيَاسًا مَعَ وُجُودِ النَّصِّ. وَاسْتَدَلَّ الْحَنَفِيَّةُ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَصُومُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَقَلَّمَا كَانَ يُفْطِرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ: كَانَ لَا يَتَعَمَّدُ فِطْرَهُ إِذَا وَقَعَ فِي الْأَيَّامِ الَّتِي كَانَ يَصُومهَا، وَلَا يُضَادُّ ذَلِكَ كَرَاهَةَ إِفْرَادِهِ بِالصَّوْمِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ عَدَّهُ مِنَ الْخَصَائِصِ،