لَمْ يَمَسَّهَا الْمَاءُ فَتَمَسَّكَ بِهَذَا مَنْ يَقُولُ بِإِجْزَاءِ الْمَسْحِ، وَبِحَمْلِ الْإِنْكَارِ عَلَى تَرْكِ التَّعْمِيمِ ; لَكِنَّ الرِّوَايَةَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهَا أَرْجَحُ فَتُحْمَلُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَيْهَا بِالتَّأْوِيلِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ لَمْ يَمَسَّهَا الْماءُ أَيْ: مَاءُ الْغُسْلِ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ.
وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ رَأَى رَجُلًا لَمْ يَغْسِلْ عَقِبَهُ فَقَالَ ذَلِكَ: وَأَيْضًا فَمَنْ قَالَ بِالْمَسْحِ لَمْ يُوجِبْ مَسْحَ الْعَقِبِ، وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: لَمَّا أَمَرَهُمْ بِتَعْمِيمِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُمَا لُمْعَةٌ دَلَّ عَلَى أَنَّ فَرْضَهَا الْغَسْلُ. وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْمُنِيرِ بِأَنَّ التَّعْمِيمَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْغَسْلَ، فَالرَّأْسُ تُعَمُّ بِالْمَسْحِ وَلَيْسَ فَرْضُهَا الْغَسْلَ.
قَوْلُهُ: (أَرْجُلِنَا) قَابَلَ الْجَمْعَ بِالْجَمْعِ فَالْأَرْجُلُ مُوَزَّعَةٌ عَلَى الرِّجَالِ، فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ رَجُلٍ أَرْجُلٌ.
قَوْلُهُ: (وَيْلٌ) جَازَ الِابْتِدَاءُ بِالنَّكِرَةِ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ عَلَى أَقْوَالٍ: أَظْهَرُهَا مَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا وَيْلٌ وَادٍ فِي جَهَنَّمِ قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: لَوْ كَانَ الْمَاسِحُ مُؤَدِّيًا لِلْفَرْضِ لَمَا تُوُعِّدَ بِالنَّارِ، وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى مَا فِي كُتُبِ الْخِلَافِ عَنِ الشِّيعَةِ أَنَّ الْوَاجِبَ الْمَسْحُ أَخْذًا بِظَاهِرِ قِرَاءَةِ (وَأَرْجُلِكُمْ) بِالْخَفْضِ، وَقَدْ تَوَاتَرَتِ الْأَخْبَارُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي صِفَةِ وُضُوئِهِ أَنَّهُ غَسَلَ رِجْلَيْهِ وَهُوَ الْمُبَيِّنُ لِأَمْرِ اللَّهِ، وَقَدْ قَالَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ مُطَوَّلًا فِي فَضْلِ الْوُضُوءِ ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ خِلَافُ ذَلِكَ إِلَّا عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَنَسٍ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُمُ الرُّجُوعُ عَنْ ذَلِكَ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى: أَجْمَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلَى غَسْلِ الْقَدَمَيْنِ، رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. وَادَّعَى الطَّحَاوِيُّ، وَابْنُ حَزْمٍ أَنَّ الْمَسْحَ مَنْسُوخٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (لِلْأَعْقَابِ) أَيِ: الْمَرْئِيَّةِ إِذْ ذَاكَ، فَاللَّامُ لِلْعَهْدِ. وَيَلْتَحِقُ بِهَا مَا يُشَارِكُهَا فِي ذَلِكَ ; وَالْعَقِبُ مُؤَخَّرُ الْقَدَمِ، قَالَ الْبَغَوِيُّ: مَعْنَاهُ وَيْلٌ لِأَصْحَابِ الْأَعْقَابِ الْمُقَصِّرِينَ فِي غَسْلِهَا. وَقِيلَ: أَرَادَ أَنَّ الْعَقِبَ مُخْتَصٌّ بِالْعِقَابِ إِذَا قُصِّرَ فِي غَسْلِهِ.
وَفِي الْحَدِيثِ تَعْلِيمُ الْجَاهِلِ، وَرَفْعُ الصَّوْتِ بِالْإِنْكَارِ، وَتَكْرَارُ الْمَسْأَلَةِ لِتُفْهَمَ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ.
٢٨ - بَاب الْمَضْمَضَةِ فِي الْوُضُوءِ. قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ ﵃، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ
١٦٤ - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ دَعَا بِوَضُوءٍ، فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ إِنَائِهِ فَغَسَلَهُمَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الْوَضُوءِ، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ كُلَّ رِجْلٍ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَتَوَضَّأُ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، وَقَالَ: مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ.
قَوْلُهُ: (بَابُ الْمَضْمَضَةِ فِي الْوُضُوءِ) أَصْلُ الْمَضْمَضَةِ فِي اللُّغَةِ التَّحْرِيكُ، وَمِنْهُ: مَضْمَضَ النُّعَاسُ فِي عَيْنَيْهِ إِذَا تَحَرَّكَتَا بِالنُّعَاسِ، ثُمَّ اشْتُهِرَ اسْتِعْمَالُهُ فِي وَضْعِ الْمَاءِ فِي الْفَمِ وَتَحْرِيكِهِ.
وَأَمَّا مَعْنَاهُ فِي الْوُضُوءِ الشَّرْعِيِّ، فَأَكْمَلُهُ: أَنْ يَضَعَ الْمَاءَ فِي الْفَمِ ثُمَّ يُدِيرُهُ ثُمَّ يَمُجُّهُ. وَالْمَشْهُورُ عَنِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَحْرِيكُهُ وَلَا مَجُّهُ وَهُوَ عَجِيبٌ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الْمَجُّ، بَلْ لَوِ ابْتَلَعَهُ أَوْ تَرَكَهُ حَتَّى يَسِيلَ أَجْزَأَ.
قَوْلُهُ: (قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ) قَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُهُ فِي أَوَائِلِ الطَّهَارَةِ.
قَوْلُهُ: (وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ) سَيَأْتِي حَدِيثُهُ قَرِيبًا.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ غَسَلَ كُلَّ رِجْلٍ) كَذَا لِلْأَصِيلِيِّ، وَالْكُشْمِيهَنِيِّ، وَلِابْنِ عَسَاكِرَ