مَا أَنْبَتَتِ الْأَرْضُ مِمَّا تَأْكُلُهُ الدَّوَابُّ وَلَا تَأْكُلُهُ النَّاسُ، وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْأَبُّ الْحَشِيشُ، وَمِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ، وَالضَّحَّاكِ: الْأَبُّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ يَنْبُتُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، زَادَ الضَّحَّاكُ: إِلَّا الْفَاكِهَةَ، وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ سُئِلَ عَنِ الْأَبِّ، فَقَالَ: أَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي، وَأَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي إِذَا قُلْتُ فِي كِتَابِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَهَذَا مُنْقَطِعٌ. وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: عَرَفْنَا الْفَاكِهَةَ فَمَا الْأَبُّ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذَا لَهُوَ التَّكَلُّفُ فَهُوَ صَحِيحٌ عَنْهُ، أَخْرَجَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ مِنْ طُرُقٍ صَحِيحَةٍ عَنْ أَنَسٍ، عَنْ عُمَرَ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الِاعْتِصَامِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: (وَالْأَنَامُ الْخَلْقُ) هُوَ تَفْسِيرُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا، أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ﴾ قَالَ: لِلْخَلْقِ، وَالْمُرَادُ بِالْخَلْقِ الْمَخْلُوقُ، وَمِنْ طَرِيقِ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْأَنَامُ النَّاسُ، وَهَذَا أَخَصُّ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ، وَمِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ قَالَ: الْجِنُّ وَالْإِنْسُ. وَعَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: هُوَ كُلُّ ذِي رُوحٍ.
قَوْلُهُ: ﴿بَرْزَخٌ﴾ حَاجِبٌ) فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي، وَالْكُشْمِيهَنِيِّ حَاجِزٌ بِالزَّايِ، وَهَذَا تَفْسِيرُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَصَلَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنَ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ إِلَّا قَوْلَهُ: (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿أَلْفَافًا﴾ مُلْتَفَّةً، وَالْغُلْبُ: الْمُلْتَفَّةُ) وَصَلَهُمَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: ﴿وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا﴾ قَالَ: مُلْتَفَّةٌ. وَمِنْ طَرِيقِهِ قَالَ: ﴿وَحَدَائِقَ غُلْبًا﴾ أَيْ مُلْتَفَّةً، وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْحَدَائِقُ: مَا الْتَفَّتْ، وَالْغُلْبُ: مَا غَلُظَ. وَمِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنْهُ: الْغُلْبُ: شَجَرٌ بِالْجَبَلِ لَا يَحْمِلُ يُسْتَظَلُّ بِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبَى طَلْحَةَ عَنْهُ قَالَ: ﴿وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا﴾ أَيْ مُجْتَمِعَةً. وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْأَلْفَافُ جَمْعُ لَفٍّ أَوْ لَفِيفٍ. وَعَنِ الْكِسَائِيِّ: هُوَ جَمْعُ الْجَمْعِ. وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: اللِّفَافُ جَمْعُ لَفِيفَةٍ وَهِيَ الْغَلِيظَةُ، وَلَيْسَ الِالْتِفَافُ مِنَ الْغِلَظِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ يُرَادَ أَنَّهُ غَلُظَ بِالِالْتِفَافِ.
قَوْلُهُ: (فِرَاشًا: مِهَادًا كَقَوْلِهِ: ﴿وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ﴾ هُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ، وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ وَصَلَهُ الطَّبَرِيُّ عَنْهُمَا، وَمِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ بِأَسَانِيدِهِ: فِرَاشًا: هِيَ فِرَاشٌ يُمْشَى عَلَيْهَا وَهِيَ الْمِهَادُ وَالْقَرَارُ.
قَوْلُهُ: ﴿نَكِدًا﴾ قَلِيلًا) أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ قَالَ: ﴿لا يَخْرُجُ إِلا نَكِدًا﴾ قَالَ: النَّكِدُ: الشَّيْءُ الْقَلِيلُ الَّذِي لَا يَنْفَعُ، وَمِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: هَذَا مَثَلٌ ضُرِبَ لِلْكُفَّارِ كَالْبَلَدِ السَّبِخَةِ الْمَالِحَةِ الَّتِي لَا تَخْرُجُ مِنْهَا الْبَرَكَةُ.
٤ - بَاب صِفَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ
﴿بِحُسْبَانٍ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: كَحُسْبَانِ الرَّحَى، وَقَالَ غَيْرُهُ: بِحِسَابٍ وَمَنَازِلَ لَا يَعْدُوَانِهَا، حُسْبَانٌ: جَمَاعَةُ الْحِسَابِ، مِثْلُ شِهَابٍ وَشُهْبَانٍ، ﴿ضُحَاهَا﴾ ضَوْؤها. ﴿أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ﴾ لَا يَسْتُرُ ضَوْءُ أَحَدِهِمَا ضَوْءَ الْآخَرِ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُمَا ذَلِكَ، ﴿سَابِقُ النَّهَارِ﴾ يَتَطَالَبَانِ حَثِيثَيْنِ. ﴿نَسْلَخُ﴾ نُخْرِجُ أَحَدَهُمَا مِنْ الْآخَرِ، وَنُجْرِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. ﴿وَاهِيَةٌ﴾ وَهْيُهَا تَشَقُّقُهَا. ﴿أَرْجَائِهَا﴾ مَا لَمْ يَنْشَقَّ مِنْهَا، فَهُو عَلَى حَافَتَيْهَا كَقَوْلِكَ: عَلَى أَرْجَاءِ الْبِئْرِ. أَغْطَشَ وَجَنَّ: أَظْلَمَ، وَقَالَ الْحَسَنُ: كُوِّرَتْ تُكَوَّرُ حَتَّى يَذْهَبَ ضَوْؤهَا. ﴿وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ﴾ أي جَمَعَ مِنْ دَابَّةٍ. ﴿اتَّسَقَ﴾ اسْتَوَى. ﴿بُرُوجًا﴾ مَنَازِلَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ. فالْحَرُورُ بِالنَّهَارِ مَعَ الشَّمْسِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَرُؤْبَةُ: الْحَرُورُ بِاللَّيْلِ، وَالسَّمُومُ بِالنَّهَارِ، يُقَالُ: ﴿يُولِجُ﴾ يُكَوِّرُ ﴿وَلِيجَةً﴾ كُلُّ شَيْءٍ أَدْخَلْتَهُ فِي شَيْءٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute