للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

اسْتَلْزَمَ مَسَّ ذَكَرِهِ بِيَمِينِهِ، وَمَتَى أَمْسَكَهُ بِيَسَارِهِ اسْتَلْزَمَ اسْتِجْمَارَهُ بِيَمِينِهِ وَكِلَاهُمَا قَدْ شَمِلَهُ النَّهْيُ، وَمُحَصَّلُ الْجَوَابِ أَنَّهُ يَقْصِدُ الْأَشْيَاءَ الضَّخْمَةَ الَّتِي لَا تَزُولُ بِالْحَرَكَةِ كَالْجِدَارِ وَنَحْوِهِ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْبَارِزَةِ فَيَسْتَجْمِرُ بِهَا بِيَسَارِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُلْصِقْ مَقْعَدَتَهُ بِالْأَرْضِ وَيُمْسِكْ مَا يَسْتَجْمِرُ بِهِ بَيْنَ عَقِبَيْهِ أَوْ إِبْهَامَيْ رِجْلَيْهِ وَيَسْتَجْمِرْ بِيَسَارِهِ فَلَا يَكُونُ مُتَصَرِّفًا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِيَمِينِهِ، انْتَهَى. وَهَذِهِ هَيْئَةٌ مُنْكَرَةٌ بَلْ يَتَعَذَّرُ فِعْلُهَا فِي غَالِبِ الْأَوْقَاتِ، وَقَدْ تَعَقَّبَهُ الطِّيبِيُّ بِأَنَّ النَّهْيَ عَنِ الِاسْتِجْمَارِ بِالْيَمِينِ مُخْتَصٌّ بِالدُّبُرِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمَسِّ مُخْتَصٌّ بِالذَّكَرِ فَبَطَلَ الْإِيرَادُ مِنْ أَصْلِهِ، كَذَا قَالَ. وَمَا ادَّعَاهُ مِنْ تَخْصِيصِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالدُّبُرِ مَرْدُودٌ، وَالْمَسُّ وَإِنْ كَانَ مُخْتَصًّا بِالذَّكَرِ لَكِنْ يُلْحَقُ بِهِ الدُّبُرُ قِيَاسًا، وَالتَّنْصِيصُ عَلَى الذَّكَرِ لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ فَرْجُ الْمَرْأَةِ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا خُصَّ الذَّكَرُ بِالذِّكْرِ لِكَوْنِ الرِّجَالِ فِي الْغَالِبِ هُمُ الْمُخَاطَبُونَ وَالنِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ فِي الْأَحْكَامِ إِلَّا مَا خُصَّ.

وَالصَّوَابُ فِي الصُّورَةِ الَّتِي أَوْرَدَهَا الْخَطَّابِيُّ مَا قَالَهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَمَنْ بَعْدَهُ - كَالْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ وَالْبَغَوِيِّ فِي التَّهْذِيبِ - أَنَّهُ يُمِرُّ الْعُضْوَ بِيَسَارِهِ عَلَى شَيْءٍ يُمْسِكُهُ بِيَمِينِهِ، وَهِيَ قَارَّةٌ غَيْرُ مُتَحَرِّكَةٍ فَلَا يُعَدُّ مُسْتَجْمِرًا بِالْيَمِينِ وَلَا مَاسًّا بِهَا، وَمَنِ ادَّعَى أَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَكُونُ مُسْتَجْمِرًا بِيَمِينِهِ فَقَطْ غَلِطَ، وَإِنَّمَا هُوَ كَمَنْ صَبَّ بِيَمِينِهِ الْمَاءِ عَلَى يَسَارِهِ حَالَ الِاسْتِنْجَاءِ.

١٩ - باب لَا يُمْسِكُ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ إِذَا بَالَ

١٥٤ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ النَّبِيِّ قَالَ: إِذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَأْخُذَنَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ، وَلَا يَسْتَنْجِي بِيَمِينِهِ. وَلَا يَتَنَفَّسْ فِي الْإِنَاءِ.

قَوْلُهُ: (بَابُ لَا يُمْسِكُ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ إِذَا بَالَ) أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِلَى أَنَّ النَّهْيَ الْمُطْلَقَ عَنْ مَسِّ الذَّكَرِ بِالْيَمِينِ كَمَا فِي الْبَابِ قَبْلَهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُقَيَّدِ بِحَالَةِ الْبَوْلِ فَيَكُونُ مَا عَدَاهُ مُبَاحًا. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: يَكُونُ مَمْنُوعًا أَيْضًا مِنْ بَابِ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ فِي مَظِنَّةِ الْحَاجَةِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ. وَتَعَقَّبَهُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي جَمْرَةَ بِأَنَّ مَظِنَّةَ الْحَاجَةِ لَا تَخْتَصُّ بِحَالَةِ الِاسْتِنْجَاءِ، وَإِنَّمَا خُصَّ النَّهْيُ بِحَالَةِ الْبَوْلِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ مُجَاوِرَ الشَّيْءِ يُعْطَى حُكْمُهُ، فَلَمَّا مُنِعَ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْيَمِينِ مُنِعَ مَسُّ آلَتِهِ حَسْمًا لِلْمَادَّةِ.

ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى الْإِبَاحَةِ بِقَوْلِهِ لِطَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ حِينَ سَأَلَهُ عَنْ مَسِّ ذَكَرِهِ: إِنَّمَا هُوَ بَضْعَةٌ مِنْكَ فَدَلَّ عَلَى الْجَوَازِ فِي كُلِّ حَالٍ، فَخَرَجَتْ حَالَةُ الْبَوْلِ بِهَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَبَقِيَ مَا عَدَاهَا عَلَى الْإِبَاحَةِ، انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ صَحِيحٌ أَوْ حَسَنٌ، وَقَدْ يُقَالُ: حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ غَيْرُ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَمَنْ قَالَ بِهِ يَشْتَرِطُ فِيهِ شُرُوطًا، لَكِنْ نَبَّهَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ الِاخْتِلَافِ إِنَّمَا هُوَ حَيْثُ تَتَغَايَرُ مَخَارِجُ الْحَدِيثِ بِحَيْثُ يُعَدُّ حَدِيثَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، فَأَمَّا إِذَا اتَّحَدَ الْمَخْرَجُ وَكَانَ الِاخْتِلَافُ فِيهِ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ فَيَنْبَغِي حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ بِلَا خِلَافٍ ; لِأَنَّ التَّقْيِيدَ حِينَئِذٍ يَكُونُ زِيَادَةً مِنْ عَدْلٍ فَتُقْبَلُ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ) هُوَ الْفِرْيَابِيُّ، وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي رِوَايَتِهِ بِسَمَاعِ يَحْيَى لَهُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، وَصَرَّحَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْأَوْسَطِ بِالتَّحْدِيثِ فِي جَمِيعِ الْإِسْنَادِ، أَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيقِ بِشْرِ بْنِ بَكْرٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ فَحَصَلَ الْأَمْنُ مِنْ مَحْذُورِ التَّدْلِيسِ.

قَوْلُهُ: (فَلَا يَأْخُذُونَّ) كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ بِنُونِ التَّأْكِيدِ وَلِغَيْرِهِ بِدُونِهَا، وَهُوَ مُطَابِقٌ لِقَوْلِهِ فِي التَّرْجَمَةِ لَا يُمْسِكُ وَكَذَا فِي مُسْلِمٍ التَّعْبِيرُ بِالْمَسْكِ