مِنْ وَجْهَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا تَرْجَمَ لَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى مَكَانِ شَرْحِهِ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ ﷺ كَانَ فِي هَذَا الْوَقْتِ لَا يَحْرُسُهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، بِخِلَافِ مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ فَإِنَّهُ كَانَ يُحْرَسُ حَتَّى نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ قُلْتُ: قَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ قَبْلَ أَبْوَابٍ لَكِنْ قَدْ قِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ سَبَبُ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ وَذَلِكَ فِيمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كُنَّا إِذَا نَزَلْنَا طَلَبْنَا لِلنَّبِيِّ ﷺ أَعْظَمَ شَجَرَةٍ وَأَظَلَّهَا فَنَزَلَ تَحْتَ شَجَرَةٍ فَجَاءَ رَجُلٌ فَأَخَذَ سَيْفَهُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ: اللَّهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ وَهَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ، فَيُحْتَمَلُ إِنْ كَانَ مَحْفُوظًا أَنْ يُقَالَ: كَانَ مُخَيَّرًا فِي اتِّخَاذِ الْحَرَسِ فَتَرَكَهُ مَرَّةً لِقُوَّةِ يَقِينِهِ، فَلَمَّا وَقَعَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ تَرَكَ ذَلِكَ.
٨٨ - بَاب مَا قِيلَ فِي الرِّمَاحِ وَيُذْكَرُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ جُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي
٢٩١٤ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ ﵁ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَتَّى إِذَا كَانَ بِبَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ تَخَلَّفَ مَعَ أَصْحَابٍ لَهُ مُحْرِمِينَ وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ فَرَأَى حِمَارًا وَحْشِيًّا فَاسْتَوَى عَلَى فَرَسِهِ فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُنَاوِلُوهُ سَوْطَهُ فَأَبَوْا فَسَأَلَهُمْ رُمْحَهُ فَأَبَوْا فَأَخَذَهُ ثُمَّ شَدَّ عَلَى الْحِمَارِ فَقَتَلَهُ فَأَكَلَ مِنْهُ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ وَأَبَى بَعْضٌ فَلَمَّا أَدْرَكُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ سَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ قَالَ: إِنَّمَا هِيَ طُعْمَةٌ أَطْعَمَكُمُوهَا اللَّهُ.
وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ فِي الْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ مِثْلُ حَدِيثِ أَبِي النَّضْرِ قَالَ: هَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ؟
قَوْلُهُ: (بَابُ مَا قِيلَ فِي الرِّمَاحِ) أَيْ فِي اتِّخَاذِهَا وَاسْتِعْمَالِهَا أَيْ مِنَ الْفَضْلِ.
قَوْلُهُ: (وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ إِلَخْ) هُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُنِيبٍ - بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ النُّونِ ثُمَّ تَحْتَانِيَّةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ - الجُرَشِيِّ بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظٍ بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ مَعَ السَّيْفِ، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي، وَجُعِلَتِ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْهُ قَوْلَهُ: مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ حُسِبَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَأَبُو مُنِيبٍ لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ. وَفِي الْإِسْنَادِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَابِتِ بْنِ ثَوْبَانَ مُخْتَلَفٌ فِي تَوْثِيقِهِ، وَلَهُ شَاهِدٌ مُرْسَلٌ بِإِسْنَادِ حَسَنٍ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جَبَلَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِتَمَامِهِ، وَفِي الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى فَضْلِ الرُّمْحِ، وَإِلَى حِلِّ الْغَنَائِمِ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ، وَإِلَى أَنَّ رِزْقَ النَّبِيِّ ﷺ جُعِلَ فِيهَا لَا فِي غَيْرِهَا مِنَ الْمَكَاسِبِ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّهَا أَفْضَلُ الْمَكَاسِبِ، وَالْمُرَادُ بِالصَّغَارِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْمُعْجَمَةِ بَذْلُ الْجِزْيَةِ، وَفِي قَوْلِهِ: تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ ظِلَّهُ مَمْدُودٌ إِلَى أَبَدِ الْآبَادِ، وَالْحِكْمَةُ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى ذِكْرِ الرُّمْحِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ كَالسَّيْفِ أَنَّ عَادَتَهُمْ جَرَتْ بِجَعْلِ الرَّايَاتِ فِي أَطْرَافِ الرُّمْحِ، فَلَمَّا كَانَ ظِلُّ الرُّمْحِ أَسْبَغَ كَانَ نِسْبَةُ الرِّزْقِ إِلَيْهِ أَلْيَقَ.
وَقَدْ تَعَرَّضَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ لِظِلِّ السَّيْفِ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا مِنْ قَوْلِهِ ﷺ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute