بِالتَّجْرِبَةِ، فَاقْتَصَرَ عَلَى مَا هُوَ بِالْوَحْيِ لِتَحَقُّقِهِ. وَقِيلَ: ذَكَرَ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبْعَثْ بِتَفَاصِيلِ ذَلِكَ. قُلْتُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ السَّبْعَةُ أُصُولٍ صِفَةَ التَّدَاوِي بِهَا ; لِأَنَّهَا إِمَّا طِلَاءٌ أَوْ شُرْبٌ أَوْ تَكْمِيدٌ أَوْ تَنْطِيلٌ أَوْ تَبْخِيرٌ أَوْ سَعُوطٌ أَوْ لَدُودٌ ; فَالطِّلَاءُ يَدْخُلُ فِي الْمَرَاهِمِ وَيُحَلَّى بِالزَّيْتِ وَيُلَطَّخُ، وَكَذَا التَّكْمِيدُ، وَالشُّرْبُ يُسْحَقُ وَيُجْعَلُ فِي عَسَلٍ أَوْ مَاءٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَكَذَا التَّنْطِيلُ، وَالسَّعُوطُ يُسْحَقُ فِي زَيْتٍ وَيُقْطَرُ فِي الْأَنْفِ، وَكَذَا الدُّهْنُ، وَالتَّبْخِيرُ وَاضِحٌ، وَتَحْتَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ السَّبْعَةِ مَنَافِعُ لِأَدْوَاءٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَلَا يُسْتَغْرَبُ ذَلِكَ مِمَّنْ أُوتِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ.
وَأَمَّا الْعُذْرَةُ فَهِيَ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَجَعٌ فِي الْحَلْقِ يَعْتَرِي الصِّبْيَانَ غَالِبًا، وَقِيلَ: هِيَ قُرْحَةٌ تَخْرُجُ بَيْنَ الْأُذُنِ وَالْحَلْقِ أَوْ فِي الْخُرْمِ الَّذِي بَيْنَ الْأَنْفِ وَالْحَلْقِ، قِيلَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَخْرُجُ غَالِبًا عِنْدَ طُلُوعِ الْعُذْرَةِ ; وَهِيَ خَمْسَةُ كَوَاكِبَ تَحْتَ الشِّعْرَى الْعَبُورِ، وَيُقَالُ لَهَا أَيْضًا: الْعَذَارَى، وَطُلُوعُهَا يَقَعُ وَسَطَ الْحَرِّ. وَقَدِ اسْتَشْكَلَ مُعَالَجَتُهَا بِالْقُسْطِ مَعَ كَوْنِهِ حَارًّا، وَالْعُذْرَةُ إِنَّمَا تَعْرِضُ فِي زَمَنِ الْحَرِّ بِالصِّبْيَانِ وَأَمْزِجَتُهُمْ حَارَّةٌ، وَلَا سِيَّمَا وَقُطْرُ الْحِجَازِ حَارٌّ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَادَّةَ الْعُذْرَةِ دَمٌ يَغْلِبُ عَلَيْهِ الْبَلْغَمُ، وَفِي الْقُسْطِ تَخْفِيفٌ لِلرُّطُوبَةِ. وَقَدْ يَكُونُ نَفْعُهُ فِي هَذَا الدَّوَاءِ بِالْخَاصِّيَّةِ، وَأَيْضًا فَالْأَدْوِيَةُ الْحَارَّةُ قَدْ تَنْفَعُ فِي الْأَمْرَاضِ الْحَارَّةِ بِالْعَرَضِ كَثِيرًا، بَلْ وَبِالذَّاتِ أَيْضًا. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ سِينَا فِي مُعَالَجَةِ سُعُوطِ اللَّهَاةِ الْقُسْطَ مَعَ الشَّبِّ الْيَمَانِيِّ وَغَيْرِهِ. عَلَى أَنَّنَا لَوْ لَمْ نَجِدْ شَيْئًا مِنَ التَّوْجِيهَاتِ لَكَانَ أَمْرُ الْمُعْجِزَةِ خَارِجًا عَنِ الْقَوَاعِدِ الطِّبِّيَّةِ. وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَاتِ الْجَنْبِ فِي بَابِ اللَّدُودِ، وَفِيهِ شَرْحُ بَقِيَّةِ حَدِيثِ أُمِّ قَيْسٍ هَذَا.
وَقَوْلُهَا: وَدَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ بِابْنٍ لِي تَقَدَّمَ مُطَوَّلًا فِي الطَّهَارَةِ، وَهُوَ حَدِيثٌ آخَرُ لِأُمِّ قَيْسٍ وَقَعَ ذِكْرُهُ هُنَا اسْتِطْرَادًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
١١ - بَاب أَيَّ سَاعَةٍ يَحْتَجِمُ، وَاحْتَجَمَ أَبُو مُوسَى لَيْلًا
٥٦٩٤ - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: احْتَجَمَ النَّبِيُّ ﷺ وَهُوَ صَائِمٌ.
قَوْلُهُ: (بَابُ أَيَّةَ سَاعَةٍ يَحْتَجِمُ)، فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: أَيَّ سَاعَةٍ بِلَا هَاءٍ، وَالْمُرَادُ بِالسَّاعَةِ فِي التَّرْجَمَةِ مُطْلَقُ الزَّمَانِ، ولَا خُصُوصُ السَّاعَةِ الْمُتَعَارَفَةِ.
قَوْلُهُ: (وَاحْتَجَمَ أَبُو مُوسَى لَيْلًا) تَقَدَّمَ مَوْصُولًا فِي كِتَابِ الصِّيَامِ، وَفِيهِ أَنَّ امْتِنَاعَهُ مِنَ الْحِجَامَةِ نَهَارًا كَانَ بِسَبَبِ الصِّيَامِ لِئَلَّا يَدْخُلَهُ خَلَلٌ، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ مَالِكٌ فَكَرِهَ الْحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ لِئَلَّا يُغَرِّرَ بِصَوْمِهِ، لَا لِكَوْنِ الْحِجَامَةِ تُفْطِرُ الصَّائِمَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِي حَدِيثِ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ هُنَاكَ، وَوَرَدَ فِي الْأَوْقَاتِ اللَّائِقَةِ بِالْحِجَامَةِ أَحَادِيثُ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ عَلَى شَرْطِهِ، فَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّهَا تُصْنَعُ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ وَلَا تَتَقَيَّدُ بِوَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ، لِأَنَّهُ ذَكَرَ الِاحْتِجَامَ لَيْلًا.
وذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ وَهُوَ يَقْتَضِي كَوْنَ ذَلِكَ وَقَعَ مِنْهُ نَهَارًا، وَعِنْدَ الْأَطِبَّاءِ أَنَّ أَنْفَعَ الْحِجَامَةِ مَا يَقَعُ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ أَوِ الثَّالِثَةِ، وَأَنْ لَا يَقَعَ عَقِبَ اسْتِفْرَاغٍ عَنْ جِمَاعٍ أَوْ حَمَّامٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَلَا عَقِبَ شِبَعٍ وَلَا جُوعٍ. وَقَدْ وَرَدَ فِي تَعْيِينِ الْأَيَّامِ لِلْحِجَامَةِ، حَدِيثٌ لِابْنِ عُمَرَ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ، رَفَعَهُ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ، وَفِيهِ: فَاحْتَجِمُوا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَاحْتَجِمُوا يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالثُّلَاثَاءِ ; وَاجْتَنِبُوا الْحِجَامَةَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَالْجُمْعَةِ وَالسَّبْتِ وَالْأَحَدِ. أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقَيْنِ ضَعِيفَيْنِ، وَلَهُ طَرِيقٌ ثَالِثَةٌ ضَعِيفَةٌ أَيْضًا عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي الْأَفْرَادِ، وَأَخْرَجَهُ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا، وَنَقَلَ الْخَلَّالُ، عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَرِهَ الْحِجَامَةَ فِي الْأَيَّامِ الْمَذْكُورَةِ، وَإنَّ كان الْحَدِيثَ لَمْ يَثْبُتْ، وَحَكَى أَنَّ رَجُلًا احْتَجَمَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ، فَأَصَابَهُ بَرَصٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute