الْوُجُوهِ انْتَهَى. وَالنَّفْيُ جَزَمَ بِهِ إِنَّمَا هُوَ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ الَّتِي قَصَدَ فِيهَا الْإِشَارَةَ إِلَى أَنَّهُ سَارَ لَيْلًا عَلَى الْبُرَاقِ، وَإِلَّا فَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: سِرْتُ بِزَيْدٍ بِمَعْنَى صَاحَبْتُهُ لَكَانَ الْمَعْنَى صَحِيحًا، ذكر فيه حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ بِإِيلِيَاءَ بِقَدَحَيْنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ، وَيَأْتِي فِي الْأَشْرِبَةِ.
وَذَكَرَ فِيهِ أَيْضًا حَدِيثَ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: لَمَّا كَذَّبَتْنِي قُرَيْشٌ كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ كَذَّبَنِي بِغَيْرِ مُثَنَّاةٍ.
قَوْلُهُ: فَجَلَّى اللَّهُ لِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ تَقَدَّمَ شَرْحِهِ أَيْضًا فِي السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ، وَالَّذِي اقْتَرَحَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ أَنْ يَصِفَ لَهُمْ بَيْتَ الْمَقْدِسِ هُوَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ، أَخْرَجَهُ أَبُو يُعْلَى مِنْ حَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ زَرَارَةَ بْنِ أَبِي أَوْفَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذِهِ الْقِصَّةُ مُطَوَّلَةٌ، وَقَدْ ذَكَرَتْ طَرَفًا مِنْهَا فِي أَوَّلِ شَرْحِ حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ مَعْزُوًّا إِلَى أَحْمَدَ وَالْبَزَّارِ، وَلَفْظُ النَّسَائِيِّ لِمَا كَانَ لَيْلَةُ أُسَرِيَّ بِي ثُمَّ أَصْبَحَتْ بِمَكَّةَ قَطَعَتْ بِأَمْرِي وَعَرَفَتْ أَنَّ النَّاسَ مُكَذِّبِي، فَقَعَدَتْ مُعْتَزِلًا حَزِينًا، فَمَرَّ بِي عَدُوُّ اللَّهِ أَبُو جَهْلٍ فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ كَالْمُسْتَهْزِئِ: هَلْ كَانَ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ: إِنِّي أُسْرِيَ بِي اللَّيْلَةَ. قَالَ: إِلَى أَيْنَ؟ قَالَ: إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ. قَالَ: ثُمَّ أَصْبَحَتْ بَيْنَ أَظْهُرِنَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَلَمْ يَرَ أَنْ يُكَذِّبَهُ مَخَافَةَ أَنْ يَجْحَدَ مَا قَالَ إِنَّ دَعَا قَوْمَهُ، قَالَ: إِنْ دَعَوْتُ قَوْمَكَ لَكَ تُحَدِّثُهُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ أَبُو جَهْلٍ: يَا مَعْشَرَ بَنِي كَعَّبِ بْنِ لُؤَيٍّ هَلُمَّ، قَالَ: فَانْقَضَتْ إِلَيْهِ الْمَجَالِسُ، فَجَاؤُوا حَتَّى جَلَسُوا إِلَيْهِمَا، قَالَ: حَدِّثْ قَوْمَكَ بِمَا حَدَّثْتَنِي، فَحَدَّثَهُمْ، قَالَ فَمِنْ مُصَفِّقٍ وَمِنْ وَاضِعٍ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مُتَعَجِّبًا، وَفِي الْقَوْمِ مَنْ سَافَرَ إِلَى ذَلِكَ الْبَلَدِ وَرَأَى الْمَسْجِدَ قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَنْعَتَ لَنَا الْمَسْجِدَ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: فَذَهَبَتْ أَنْعَتُ لَهُمْ، قَالَ: فَمَا زِلْتُ أَنْعَتُ حَتَّى الْتَبَسَ عَلَيَّ بَعْضُ النَّعْتِ، فَجِيءَ بِالْمَسْجِدِ حَتَّى وُضِعَ فَنَعَتُّهُ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ، قَالَ: فَقَالَ الْقَوْمُ: أَمَّا النَّعْتُ فَقَدْ أَصَابَ.
قَوْلُهُ: (زَادَ يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ: لَمَّا كَذَّبَتْنِي قُرَيْشٌ حِينَ أُسْرِيَ بِي إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ) وَصَلَهُ الذُّهْلِيُّ فِي الزُّهْرِيَّاتِ عَنْ يَعْقُوبَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَأَخْرَجَهُ قَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ طَرِيقِهِ وَلَفْظِهِ (جَاءَ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالُوا: هَلْ لَكَ فِي صَاحِبِكَ يَزْعُمُ أَنَّهُ أَتَى بَيْتَ الْمَقْدِسِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّةَ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَوَقَالَ ذَلِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: لَقَدْ صَدَقَ) وَرَوَى الذُّهْلِيُّ أيْضًا وَأَحْمَدُ فِي مَسْنَدِهِ جَمِيعًا عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمَذْكُورِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِسَنَدِهِ (لَمَّا كَذَّبَتْنِي قُرَيْشٌ) الْحَدِيثَ، فَلَعَلَّهُ دَخَلَ إِسْنَادٌ فِي إِسْنَادٍ، أَوْ لَمَّا كَانَ الْحَدِيثَانِ فِي قِصَّةٍ وَاحِدَةٍ أَدْخَلَ ذَلِكَ.
٤ - بَاب ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ كَرَّمْنَا وَأَكْرَمْنَا وَاحِدٌ. ﴿ضِعْفَ الْحَيَاةِ * وَضِعْفَ الْمَمَاتِ﴾ عذاب الحياة وعَذَابَ الْمَمَاتِ. ﴿خِلافَكَ﴾ وَخَلْفَكَ سَوَاءٌ. ﴿وَنَأَى﴾ تَبَاعَدَ. ﴿شَاكِلَتِهِ﴾ نَاحِيَتِهِ، وَهِيَ مِنْ شَكْلِهِ. ﴿صَرَّفْنَا﴾ وَجَّهْنَا. ﴿قَبِيلا﴾ مُعَايَنَةً وَمُقَابَلَةً، وَقِيلَ: الْقَابِلَةُ؛ لِأَنَّهَا مُقَابِلَتُهَا وَتَقْبَلُ وَلَدَهَا. ﴿خَشْيَةَ الإِنْفَاقِ﴾ أَنْفَقَ الرَّجُلُ: أَمْلَقَ، وَنَفِقَ الشَّيْءُ: ذَهَبَ. ﴿قَتُورًا﴾ مُقَتِّرًا. ﴿لِلأَذْقَانِ﴾ مُجْتَمَعُ اللَّحْيَيْنِ وَالْوَاحِدُ ذَقَنٌ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿مَوْفُورًا﴾ وَافِرًا. ﴿تَبِيعًا﴾ ثَائِرًا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَصِيرًا. ﴿خَبَتْ﴾ طَفِئَتْ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا تُبَذِّرْ: لَا تُنْفِقْ فِي الْبَاطِلِ. ﴿ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ﴾ رِزْقٍ. ﴿مَثْبُورًا﴾ مَلْعُونًا. لَا تَقْفُ: لَا تَقُلْ. ﴿فَجَاسُوا﴾ تَيَمَّمُوا. ﴿يُزْجِي﴾ الْفُلْكَ: يُجْرِي الْفُلْكَ. ﴿يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ﴾ لِلْوُجُوهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute