لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ عَجُوزَيْنِ مِنْ عَجَائِزِ يَهُودِ الْمَدِينَةِ دَخَلَتَا عَلَيَّ، فَزَعَمَتَا أَنَّ أَهْلَ الْقُبُورِ يُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ، فَقَالَ: صَدَقَتَا، وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ جَرِيرٍ شَيْخِ عُثْمَانَ فِيهِ، فَعَلَى هَذَا فَيُضْبَطُ: وَذَكَرْتُ لَهُ بِضَمِّ التَّاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ، أَيْ: ذَكَرْتُ لَهُ مَا قَالَتَا، وَقَوْلُهُ: تَسْمَعُهُ الْبَهَائِمُ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى، وَبَيَّنْتُ طَرِيقَ الْجَمْعِ بَيْنَ جَزْمِهِ ﷺ هُنَا بِتَصْدِيقِ الْيَهُودِيَّتَيْنِ فِي إِثْبَاتِ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ: عَائِذًا بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، وَكِلَا الْحَدِيثَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أُوحِيَ إِلَيْهِ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ، فَقَالَ: إِنَّمَا يُفْتَنُ يَهُودُ فَجَرَى عَلَى مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ عِلْمِ ذَلِكَ، ثُمَّ لَمَّا عَلِمَ بِأَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ لِغَيْرِ الْيَهُودِ اسْتَعَاذ مِنْهُ وَعَلَّمَهُ، وَأَمَرَ بِإِيقَاعِهِ فِي الصَّلَاةِ؛ لِيَكُونَ أَنْجَحَ فِي الْإِجَابَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
٣٨ - بَاب التَّعَوُّذِ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ
٦٣٦٧ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ﵁ يَقُولُ: كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ وَالْهَرَمِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ.
قَوْلُهُ: (بَابُ التَّعَوُّذِ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا) أَيْ: زَمَنِ الْحَيَاةِ، (وَالْمَمَاتِ) أَيْ: زَمَنِ الْمَوْتِ مِنْ أَوَّلِ النَّزْعِ، وَهَلُمَّ جَرًّا.
ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ أَنَسٍ، وَفِيهِ ذِكْرُ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْجِهَادِ وَالْبُخْلِ وَسَيَأْتِي بَعْدَ بَابَيْنِ وَالْهَرَمِ وَالْمُرَادُ بِهِ الزِّيَادَةُ فِي كِبَرِ السِّنِّ وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَقَدْ مَضَى فِي الْجَنَائِزِ. وَأَمَّا فِتْنَةُ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، فَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: هَذِهِ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ لَمَعَانٍ كَثِيرَةٍ، وَيَنْبَغِي لِلْمَرْءِ أَنْ يَرْغَبَ إِلَى رَبِّهِ فِي رَفْعِ مَا نَزَلَ، وَدَفْعِ مَا لَمْ يَنْزِلْ، وَيَسْتَشْعِرَ الِافْتِقَارَ إِلَى رَبِّهِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، وَكَانَ ﷺ يَتَعَوَّذُ مِنْ جَمِيعِ مَا ذَكَرَ دَفْعًا عَنْ أُمَّتِهِ وَتَشْرِيعًا لَهُمْ؛ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ صِفَةَ الْمُهِمِّ مِنَ الْأَدْعِيَةِ.
قُلْتُ: وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ الْمُرَادِ بِفِتْنَةِ الْمَحْيَا وَفِتْنَةِ الْمَمَاتِ فِي بَابِ الدُّعَاءِ قَبْلَ السَّلَامِ فِي أَوَاخِرِ صِفَةِ الصَّلَاةِ قُبَيْلَ كِتَابِ الْجُمُعَةِ، وَأَصْلُ الْفِتْنَةِ: الِامْتِحَانُ وَالِاخْتِبَارُ، وَاسْتُعْمِلَتْ فِي الشَّرْعِ فِي اخْتِبَارِ كَشْفِ مَا يُكْرَهُ، وَيُقَالُ: فَتَنْتُ الذَّهَبَ إِذَا اخْتَبَرْتَهُ بِالنَّارِ لِتَنْظُرَ جَوْدَتَهُ، وَفِي الْغَفْلَةِ عَنِ الْمَطْلُوبِ كَقَوْلِهِ: ﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾ وَتُسْتَعْمَلُ فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الرُّجُوعِ عَنِ الدِّينِ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ قُلْتُ: وَاسْتُعْمِلَتْ أَيْضًا فِي الضَّلَالِ وَالْإِثْمِ وَالْكُفْرِ وَالْعَذَابِ وَالْفَضِيحَةِ، وَيُعْرَفُ الْمُرَادُ حَيْثُمَا وَرَدَ بِالسِّيَاقِ وَالْقَرَائِنِ.
٣٩ - بَاب التَّعَوُّذِ مِنْ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ
٦٣٦٨ - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ ﵂، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْكَسَلِ وَالْهَرَمِ، وَالْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَعَذَابِ النَّارِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْفَقْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ عَنِّي خَطَايَايَ بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّ قَلْبِي مِنْ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنْ الدَّنَسِ، وَبَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute