قَوْلُهُ: (بَابُ التَّعَوُّذِ مِنَ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ فِيهِمَا، وَكَذَا الرَّاءِ، وَالْمُثَلَّثَةِ، وَسُكُونِ الْهَمْزَةِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ. وَالْمَأْثَمُ: مَا يَقْتَضِي الْإِثْمَ، وَالْمَغْرَمُ: مَا يَقْتَضِي الْغُرْمَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي بَابِ الدُّعَاءِ قَبْلَ السَّلَامِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ.
قَوْلُهُ: (مِنَ الْكَسَلِ وَالْهَرَمِ) فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ.
قَوْلُهُ: (وَالْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ) وَالْمُرَادُ الْإِثْمُ وَالْغَرَامَةُ، وَهِيَ مَا يَلْزَمُ الشَّخْصَ أَدَاؤُهُ كَالدَّيْنِ، زَادَ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ - كَمَا مَضَى فِي بَابِ الدُّعَاءُ قَبْلَ السَّلَامِ -: فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ مِنَ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ هَكَذَا أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ سُلَيْمٍ الْحِمْصِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ مُخْتَصَرًا، وَفِيهِ فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ تُكْثِرُ التَّعَوُّذَ الْحَدِيثَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ هُنَاكَ، وَقُلْتُ: إِنِّي لَمْ أَقِفْ حِينَئِذٍ عَلَى تَسْمِيَةِ الْقَائِلِ، ثُمَّ وَجَدْتُ تَفْسِيرَ الْمُبْهَمِ فِي الِاسْتِعَاذَةِ لِلنَّسَائِيِّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ سَلَمَةَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ مُخْتَصَرًا، وَلَفْظُهُ: كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنَ الْمَغْرَمِ وَالْمَأْثَمِ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَكْثَرَ مَا تَتَعَوَّذُ مِنَ الْمَغْرَمِ، قَالَ: إِنَّهُ مَنْ غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ، وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ، فَعُرِفَ أَنَّ السَّائِلَ لَهُ عَنْ ذَلِكَ عَائِشَةُ رَاوِيَةُ الْحَدِيثِ.
قَوْلُهُ: (وَمِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ) هِيَ سُؤَالُ الْمَلَكَيْنِ، وَعَذَابُ الْقَبْرِ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ.
قَوْلُهُ: (وَمِنْ فِتْنَةِ النَّارِ) هِيَ سُؤَالُ الْخَزَنَةِ عَلَى سَبِيلِ التَّوْبِيخِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: ﴿كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ﴾ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي بَابِ الِاسْتِعَاذَةُ مِنْ أَرْذَلِ الْعُمُرِ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَبْوَابٍ.
قَوْلُهُ: (وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْفَقْرِ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا فِي بَابِ الدُّعَاءُ قَبْلَ السَّلَامِ، قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: صَرَّحَ فِي فِتْنَةِ الْغِنَى بِذِكْرِ الشَّرِّ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ مَضَرَّتَهُ أَكْثَرُ مِنْ مَضَرَّةِ غَيْرِهِ، أَوْ تَغْلِيظًا عَلَى أَصْحَابِهِ حَتَّى لَا يَغْتَرُّوا فَيَغْفُلُوا عَنْ مَفَاسِدِهِ، أَوْ إِيمَاءً إِلَى أَنَّ صُورَتَهُ لَا يَكُونُ فِيهَا خَيْرٌ، بِخِلَافِ صُورَةِ الْفَقْرِ؛ فَإِنَّهَا قَدْ تَكُونُ خَيْرًا، انْتَهَى. وَكُلُّ هَذَا غَفْلَةٌ عَنِ الْوَاقِعِ؛ فَإِنَّ الَّذِي ظَهَرَ لِي أَنَّ لَفْظَ شَرِّ فِي الْأَصْلِ ثَابِتَةٌ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَإِنَّمَا اخْتَصَرَهَا بَعْضُ الرُّوَاةِ، فَسَيَأْتِي بَعْدَ قَلِيلٍ فِي بَابِ الِاسْتِعَاذَةُ مِنْ أَرْذَلِ الْعُمُرِ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ مُفَرَّقًا عَنْ هِشَامٍ بِسَنَدِهِ هَذَا بِلَفْظِ: شَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى وَشَرِّ فِتْنَةِ الْفَقْرِ وَيَأْتِي بَعْدَ أَبْوَابٍ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ سَلَّامِ بْنِ أَبِي مُطِيعٍ، عَنْ هِشَامٍ بِإِسْقَاطِ شَرِّ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَالتَّقْيِيدُ فِي الْغِنَى وَالْفَقْرِ بِالشَّرِّ لَا بُدَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فِيهِ خَيْرٌ بِاعْتِبَارٍ، فَالتَّقْيِيدُ فِي الِاسْتِعَاذَةِ مِنْهُ بِالشَّرِّ يُخْرِجُ مَا فِيهِ مِنَ الْخَيْرِ، سَوَاءٌ قَلَّ أَمْ كَثُرَ، قَالَ الْغَزَالِيُّ: فِتْنَةُ الْغِنَى: الْحِرْصُ عَلَى جَمْعِ الْمَالِ، وَحُبُّهُ، حَتَّى يَكْسِبَهُ مِنْ غَيْرِ حِلِّهِ، وَيَمْنَعَهُ مِنْ وَاجِبَاتِ إِنْفَاقِهِ وَحُقُوقِهِ، وَفِتْنَةُ الْفَقْرِ يُرَادُ بِهِ الْفَقْرُ الْمُدْقِعُ الَّذِي لَا يَصْحَبُهُ خَيْرٌ وَلَا وَرَعٌ، حَتَّى يَتَوَرَّطَ صَاحِبُهُ بِسَبَبِهِ فِيمَا لَا يَلِيقُ بِأَهْلِ الدِّينِ وَالْمُرُوءَةِ، وَلَا يُبَالِي بِسَبَبِ فَاقَتِهِ عَلَى أَيِّ حَرَامٍ وَثَبَ، وَلَا فِي أَيِّ حَالَةٍ تَوَرَّطَ.
وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ فَقْرُ النَّفْسِ الَّذِي لَا يَرُدُّهُ مِلْكُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَفْضِيلِ الْفَقْرِ عَلَى الْغِنَى وَلَا عَكْسِهِ.
قَوْلُهُ: (وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ) فِي رِوَايَةِ وَكِيعٍ وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَيْضًا فِي بَابِ الدُّعَاءُ قَبْلَ السَّلَامِ.
قَوْلُهُ: (اللَّهُمَّ اغْسِلْ عَنِّي خَطَايَايَ بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ إِلَخْ) تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي أَوَائِلِ صِفَةِ الصَّلَاةِ، وَحِكْمَةُ الْعُدُولِ عَنِ الْمَاءِ الْحَارِّ إِلَى الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، مَعَ أَنَّ الْحَارَّ فِي الْعَادَةِ أَبْلَغُ فِي إِزَالَةِ الْوَسَخِ، الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ الثَّلْجَ وَالْبَرَدَ مَاءَانِ طَاهِرَانِ، لَمْ تَمَسَّهُمَا الْأَيْدِي، وَلَمْ يَمْتَهِنْهُمَا الِاسْتِعْمَالُ، فَكَانَ ذِكْرُهُمَا آكَدَ فِي هَذَا الْمَقَامِ، أَشَارَ إِلَى هَذَا الْخَطَّابِيُّ. وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ: وَلَهُ تَوْجِيهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ جَعَلَ الْخَطَايَا بِمَنْزِلَةِ النَّارِ؛ لِكَوْنِهَا تُؤَدِّي إِلَيْهَا فَعَبَّرَ عَنْ إِطْفَاءِ حَرَارَتِهَا بِالْغَسْلِ تَأْكِيدًا فِي إِطْفَائِهَا وَبَالَغَ فِيهِ بِاسْتِعْمَالِ الْمُبَرِّدَاتِ تَرَقِّيًا عَنِ الْمَاءِ إِلَى أَبْرَدَ مِنْهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute