وَقَوْلُهُ: يَحْمَدُ اللَّهَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: فَحَمِدَ اللَّهَ بِالْفَاءِ بَدَلَ التَّحْتَانِيَّةِ، وَفِي قَوْلِهِ: لَمْ يَكُنْ لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ هَضْمٌ لِنَفْسِهِ وَتَوَاضُعٌ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ لِي وَلَا لِأَبِي بَكْرٍ وَعَادَةُ الْعَرَبِ إِذَا عَظَّمَتِ الرَّجُلَ ذَكَرَتْهُ بِاسْمِهِ وَكُنْيَتِهِ أَوْ لَقَبِهِ، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ تَنْسُبُهُ إِلَى أَبِيهِ وَلَا تُسَمِّيهِ، قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: فِقْهُ التَّرْجَمَةِ التَّنْبِيهُ عَلَى جَوَازِ مُبَاشَرَةِ الْحَاكِمِ الصُّلْحَ بَيْنَ الْخُصُومِ وَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ تَصْحِيفًا فِي الْحُكْمِ، وَعَلَى جَوَازِ ذَهَابِ الْحَاكِمِ إِلَى مَوْضِعِ
الْخُصُومِ لِلْفَصْلِ بَيْنَهُمْ إِمَّا عِنْدَ عِظَمِ الْخَطْبِ وَإِمَّا لِيَكْشِفَ مَا لَا يُحَاطُ بِهِ إِلَّا بِالْمُعَايَنَةِ، وَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ تَخْصِيصًا وَلَا تَمْيِيزًا وَلَا وَهَنًا.
(تَنْبِيهٌ):
وَقَعَ فِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ فِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: لَمْ يَقُلْ هَذَا الْحَرْفَ يَا بِلَالُ فَمُرْ أَبَا بَكْرٍ غَيْرُ حَمَّادٍ.
٣٧ - بَاب يُسْتَحَبُّ لِلْكَاتِبِ أَنْ يَكُونَ أَمِينًا عَاقِلًا
٧١٩١ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، أَبُو ثَابِتٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: بَعَثَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ لِمَقْتَلِ أَهْلِ الْيَمَامَةِ وَعِنْدَهُ عُمَرُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقَالَ: إِنَّ الْقَتْلَ قَدْ اسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ فِي الْمَوَاطِنِ كُلِّهَا فَيَذْهَبَ قُرْآنٌ كَثِيرٌ وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ الْقُرْآنِ قُلْتُ: كَيْفَ أَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ؟ فَقَالَ عُمَرُ: هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي فِي ذَلِكَ حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ لَهُ صَدْرَ عُمَرَ وَرَأَيْتُ فِي ذَلِكَ الَّذِي رَأَى عُمَرُ قَالَ زَيْدٌ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَإِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ لَا نَتَّهِمُكَ قَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَتَتَبَّعْ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ قَالَ زَيْدٌ: فَوَاللَّهِ لَوْ كَلَّفَنِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنْ الْجِبَالِ مَا كَانَ بِأَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا كَلَّفَنِي مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ قُلْتُ: كَيْفَ تَفْعَلَانِ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ فَلَمْ يَزَلْ يَحُثُّ مُرَاجَعَتِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ اللَّهُ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَرَأَيْتُ فِي ذَلِكَ الَّذِي رَأَيَا فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنْ الْعُسُبِ وَالرِّقَاعِ وَاللِّخَافِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ فَوَجَدْتُ آخِرِ سُورَةِ التَّوْبَةِ ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ﴾ إِلَى آخِرِهَا مَعَ خُزَيْمَةَ أَوْ أَبِي خُزَيْمَةَ فَأَلْحَقْتُهَا فِي سُورَتِهَا، وَكَانَتْ الصُّحُفُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَيَاتَهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ﷿ ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَيَاتَهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ: اللِّخَافُ يَعْنِي الْخَزَفَ.
قَوْلُهُ: (بَابُ يُسْتَحَبُّ لِلْكَاتِبِ أَنْ يَكُونَ أَمِينًا عَاقِلًا) أَيْ كَاتِبُ الْحُكْمِ وَغَيْرُهُ.
ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فِي قِصَّتِهِ مَعَ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ فِي جَمْعِ الْقُرْآنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ.
وَالْغَرَضُ مِنْهُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ، لِزَيْدٍ إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ لَا نَتَّهِمُكَ وَقَوْلُهُ فِي آخِرِهِ قَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بِالتَّصْغِيرِ وَهُوَ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ الَّذِي رَوَى عَنْهُ هَذَا الْحَدِيثَ فَسَّرَ اللِّخَافَ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَهِيَ بِكَسْرِ اللَّامِ وَتَخْفِيفِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ بِالْخَزَفِ، وَهِيَ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالزَّايِ بَعْدَهَا فَاءٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ الِاخْتِلَافِ فِي تَفْسِيرِهَا هُنَاكَ، وَحَكَى ابْنُ بَطَّالٍ، عَنِ الْمُهَلَّبِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْعَقْلَ أَصْلُ الْخِلَالِ الْمَحْمُودَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِفْ زَيْدًا بِأَكْثَرَ مِنَ الْعَقْلِ وَجَعَلَهُ سَبَبًا لِائْتِمَانِهِ وَرَفْعِ التُّهْمَةِ عَنْهُ.
قُلْتُ: وَلَيْسَ كَمَا قَالَ فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ ذَكَرَ عَقِبَ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ وَقَدْ كُنْتَ تَكْتُبَ الْوَحْيَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute