للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْحَدِيثَ، وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا الْمَرْءُ يَمُوتُ عَلَى فِرَاشِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ شَهِيدٌ وَقَالَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي الْمَبْطُونِ وَاللَّدِيغِ وَالْغَرِيقِ وَالشَّرِيقِ وَالَّذِي يَفْتَرِسُهُ السَّبُعُ وَالْخَارُّ عَنْ دَابَّتِهِ وَصَاحِبُ الْهَدْمِ وَذَاتِ الْجَنْبِ، وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ حَرَامٍ الْمَائِدُ فِي الْبَحْرِ الَّذِي يُصِيبُهُ الْقَيْءُ لَهُ أَجْرُ شَهِيدٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ أَحَادِيثُ فِيمَنْ طَلَبَ الشَّهَادَةَ بِنِيَّةٍ صَادِقَةٍ أَنَّهُ يُكْتَبُ شَهِيدًا فِي بَابِ تَمَنِّي الشَّهَادَةِ وَيَأْتِي فِي كِتَابِ الطِّبِّ حَدِيثٌ فِيمَنْ صَبَرَ فِي الطَّاعُونِ أَنَّهُ شَهِيدٌ، وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ فِيمَنْ صَرَعَتْهُ دَابَّتُهُ وَأَنَّهُ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ.

وَعِنْدَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّ مَنْ يَتَرَدَّى مِنْ رُؤوسِ الْجِبَالِ وَتَأْكُلُهُ السِّبَاعُ وَيَغْرَقُ فِي الْبِحَارِ لَشَهِيدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَوَرَدَتْ أَحَادِيثُ أُخْرَى فِي أُمُورٍ أُخْرَى لَمْ أُعَرِّجْ عَلَيْهَا لِضَعْفِهَا، قَالَ ابْنُ التِّينِ: هَذِهِ كُلُّهَا مِيتَاتٌ فِيهَا شِدَّةٌ تَفَضَّلَ اللَّهُ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ بِأَنْ جَعَلَهَا تَمْحِيصًا لِذُنُوبِهِمْ وَزِيَادَةً فِي أُجُورِهِمْ يُبَلِّغُهُمْ بِهَا مَرَاتِبَ الشُّهَدَاءِ.

قُلْتُ: وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمَذْكُورِينَ لَيْسُوا فِي الْمَرْتَبَةِ سَوَاءً، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَى أَحْمَدُ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، والدَّارِمِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَالطَّحَاوِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُبْشِيٍّ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَنْبَسَةَ أَنَّ النَّبِيَّ سُئِلَ أَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: مَنْ عُقِرَ جَوَادُهُ وَأُهْرِيقَ دَمُهُ، وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ لَهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ كُلُّ مَوْتَةٍ يَمُوتُ بِهَا الْمُسْلِمُ فَهُوَ شَهِيدٌ غَيْرَ أَنَّ الشَّهَادَةَ تَتَفَاضَلُ وَسَيَأْتِي شَرْحُ كَثِيرٍ مِنْ هَذِهِ الْأَمْرَاضِ الْمَذْكُورَةِ فِي كِتَابِ الطِّبِّ، وَكَذَا الْكَلَامُ عَلَى حَدِيثِ أَنَسٍ فِي الطَّاعُونِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَيَتَحَصَّلُ مِمَّا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ الشُّهَدَاءَ قِسْمَانِ: شَهِيدُ الدُّنْيَا، وَشَهِيدُ الْآخِرَةِ وَهُوَ مَنْ يُقْتَلُ فِي حَرْبِ الْكُفَّارِ مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ مُخْلِصًا. وَشَهِيدُ الْآخِرَةِ وَهُوَ مَنْ ذُكِرَ، بِمَعْنَى أَنَّهُمْ يُعْطَوْنَ مِنْ جِنْسِ أَجْرِ الشُّهَدَاءِ وَلَا تَجْرِي عَلَيْهِمْ أَحْكَامُهُمْ فِي الدُّنْيَا.

وَفِي حَدِيثِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ نَحْوَهُ مَرْفُوعًا يَخْتَصِمُ الشُّهَدَاءُ وَالْمُتَوَفَّوْنَ عَلَى الْفِرَاشِ فِي الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنَ الطَّاعُونِ فَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى جِرَاحِهِمْ، فَإِنْ أَشْبَهَتْ جِرَاحَ الْمَقْتُولِينَ فَإِنَّهُمْ مَعَهُمْ وَمِنْهُمْ، فَإِذَا جِرَاحُهُمْ قَدْ أَشْبَهَتْ جِرَاحَهُمْ، وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَيَكُونُ إِطْلَاقُ الشُّهَدَاءِ عَلَى غَيْرِ الْمَقْتُولِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَجَازًا، فَيَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يُجِيزُ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، وَالْمَانِعُ يُجِيبُ بِأَنَّهُ مِنْ عُمُومِ الْمَجَازِ فَقَدْ يُطْلَقُ الشَّهِيدُ عَلَى مَنْ قُتِلَ فِي حَرْبِ الْكُفَّارِ لَكِنْ لَا يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ فِي حُكْمِ الْآخِرَةِ لِعَارِضٍ يَمْنَعُهُ كَالِانْهِزَامِ وَفَسَادِ النِّيَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ - ثُمَّ قَالَ - وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) قَالَ الطِّيبِيُّ: يَلْزَمُ مِنْهُ حَمْلُ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّ قَوْلَهُ: خَمْسَةٌ خَبَرٌ لِلْمُبْتَدَإِ وَالْمَعْدُودُ بَعْدَهُ ببَيَان لَهُ، وَأَجَابَ بِأَنَّهُ مِنْ بَابِ قَوْلِ الشَّاعِرِ

أَنَا أَبُو النَّجْمِ وَشِعْرِي شِعْرِي

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالشَّهِيدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الْمَقْتُولَ، فَكَأَنَّهُ قَالَ وَالْمَقْتُولُ فَعَبَّرَ عَنْهُ بِالشَّهِيدِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ الشُّهَدَاءُ سَبْعَةٌ سِوَى الْقَتِيلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الشَّهِيدُ مُكَرَّرًا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا فَيَكُونُ مِنَ التَّفْصِيلِ بَعْدَ الْإِجْمَالِ وَالتَّقْدِيرُ الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ الشَّهِيدُ كَذَا وَالشَّهِيدُ كَذَا إِلَى آخِره.

٣١ - بَاب قَوْلِ اللَّهِ ﷿ ﴿لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ﴾ إِلَى قَوْلِهِ ﴿غَفُورًا رَحِيمًا﴾