شَهِيدًا. وَقِيلَ لِأَنَّهُ لَا يَشْهَدُهُ عِنْدَ مَوْتِهِ إِلَّا مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ. وَقِيلَ لِأَنَّهُ الَّذِي يَشْهَدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِإِبْلَاغِ الرُّسُلِ.
وَقِيلَ: لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَشْهَدُ لَهُ بِحُسْنِ الْخَاتِمَةِ.
وَقِيلَ: لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ تَشْهَدُ لَهُ بِحُسْنِ الِاتِّبَاعِ.
وَقِيلَ: لِأَنَّ اللَّهَ يَشْهَدُ لَهُ بِحُسْنِ نِيَّتِهِ وَإِخْلَاصِهِ.
وَقِيلَ: لِأَنَّهُ يُشَاهِدُ الْمَلَائِكَةَ عِنْدَ احْتِضَارِهِ.
وَقِيلَ: لِأَنَّهُ يُشَاهِدُ الْمَلَكُوتَ مِنْ دَارِ الدُّنْيَا، وَدَارِ الْآخِرَةِ.
وَقِيلَ لِأَنَّهُ مَشْهُودٌ لَهُ بِالْأَمَانِ مِنَ النَّارِ.
وَقِيلَ لِأَنَّ عَلَيْهِ عَلَامَةً شَاهِدَةٌ بِأَنَّهُ قَدْ نَجَا. وَبَعْضُ هَذِهِ يَخْتَصُّ بِمَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَبَعْضُهَا يَعُمُّ غَيْرَهُ، وَبَعْضُهَا قَدْ يُنَازَعُ فِيهِ. وَهَذِهِ التَّرْجَمَةُ لَفْظُ حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ مَالِكٌ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ كَافٌ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ جَاءَ يَعُودُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ ثَابِتٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ مَا تَعُدُّونَ الشَّهِيدَ فِيكُمْ؟ قَالُوا: مَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَفِيهِ الشُّهَدَاءُ سَبْعَةٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَذَكَرَ زِيَادَةً عَلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: الْحَرِيقَ، وَصَاحِبَ ذَاتِ الْجَنْبِ، وَالْمَرْأَةَ تَمُوتُ بِجُمْعٍ. وَتَوَارَدَ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْمَبْطُونِ وَالْمَطْعُونِ وَالْغَرِيقِ وَصَاحِبِ الْهَدْمِ، فَأَمَّا صَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ فَهُوَ مَرَضٌ مَعْرُوفٌ وَيُقَالُ لَهُ الشُّوصَةُ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ فَهُوَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمِيمِ، وَقَدْ تُفْتَحُ الْجِيمِ وَتُكْسَرُ أَيْضًا وَهِيَ النُّفَسَاءُ ; وَقِيلَ الَّتِي يَمُوتُ وَلَدُهَا فِي بَطْنِهَا ثُمَّ تَمُوتُ بِسَبَبِ ذَلِكَ، وَقِيلَ الَّتِي تَمُوتُ بِمُزْدَلِفَةَ وَهُوَ خَطَأٌ ظَاهِرٌ، وَقِيلَ الَّتِي تَمُوتُ عَذْرَاءَ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ.
قُلْتُ: حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ شَاهِدًا لِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ وَلَفْظُهُ مَا تَعُدُّونَ الشُّهَدَاءَ فِيكُمْ وَزَادَ فِيهِ وَنَقَصَ. فَمِنْ زِيَادَتِهِ وَمَنْ مَاتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ نَحْوُ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ وَلَفْظُهُ وَفِي النُّفَسَاءِ يَقْتُلُهَا وَلَدُهَا جُمْعًا شَهَادَةٌ وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ رَاشِدِ بْنِ حُبَيْشٍ نَحْوُهُ وَفِيهِ وَالسِّلُّ وَهُوَ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ، وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ خَمْسٌ مَنْ قُبِضَ فِيهِنَّ فَهُوَ شَهِيدٌ فَذَكَرَ فِيهِمُ النُّفَسَاءُ وَرَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ زَيْدٍ مَرْفُوعًا مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَقَالَ فِي الدِّينِ وَالدَّمِ وَالْأَهْلِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ مَرْفُوعًا مَنْ قُتِلَ دُونَ مَظْلَمَتِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: التَّرْجَمَةُ مُخَالِفَةٌ لِلْحَدِيثِ. وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: لَا تَخْرُجُ هَذِهِ التَّرْجَمَةُ مِنَ الْحَدِيثِ أَصْلًا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُهَذِّبَ كِتَابَهُ.
وَأَجَابَ ابْنُ الْمُنِيرِ بِأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ ابْنِ بَطَّالٍ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَرَادَ أَنْ يُدْخِلَ حَدِيثَ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ فَأَعْجَلَتْهُ الْمَنِيَّةُ عَنْ ذَلِكَ، وَفِيهِ نَظَرٌ، قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ التَّنْبِيهَ عَلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَنْحَصِرُ فِي الْقَتْلِ بَلْ لَهَا أَسْبَابٌ أُخَرُ وَتِلْكَ الْأَسْبَابُ اخْتَلَفَتِ الْأَحَادِيثُ فِي عَدَدِهَا فَفِي بَعْضِهَا خَمْسَةٌ وَفِي بَعْضِهَا سَبْعَةٌ، وَالَّذِي وَافَقَ شَرْطَ الْبُخَارِيِّ الْخَمْسَةُ فَنَبَّهَ بِتَرْجَمَةٍ عَلَى أَنَّ الْعَدَدَ الْوَارِدَ لَيْسَ عَلَى مَعْنَى التَّحْدِيدِ انْتَهَى.
وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الرُّوَاةِ - يَعْنِي رُوَاةَ الْخَمْسَةِ - نَسِيَ الْبَاقِيَ. قُلْتُ: وَهُوَ احْتِمَالٌ بَعِيدٌ، لَكِنْ يُقَرِّبُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الزِّيَادَةِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَكَذَا وَقَعَ لِأَحْمَدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ وَالْمَجْنُوبُ شَهِيدٌ يَعْنِي صَاحِبَ ذَاتِ الْجَنْبِ، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ ﷺ أُعْلِمَ بِالْأَقَلِّ ثُمَّ أُعْلِمَ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ فَذَكَرَهَا فِي وَقْتٍ آخَرَ وَلَمْ يَقْصِدِ الْحَصْرَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.
وَقَدِ اجْتَمَعَ لَنَا مِنَ الطُّرُقِ الْجَيِّدَةِ أَكْثَرُ مِنْ عِشْرِينَ خَصْلَةٍ، فَإِنَّ مَجْمُوعَ مَا قَدَّمْتُهُ مِمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرْتُهَا أَرْبَعَ عَشْرَةَ خَصْلَةً، وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ مَنْ يُنْكَبُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَدِيثُ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ مَرْفُوعًا مَنْ وَقَصَهُ فَرَسُهُ أَوْ بَعِيرُهُ أَوْ لَدَغَتْهُ هَامَّةٌ أَوْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ عَلَى أَيِّ حَتْفٍ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ شَهِيدٌ وَصَحَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَوْتُ الْغَرِيبِ شَهَادَةٌ وَلِابْنِ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَنْ مَاتَ مُرَابِطًا مَاتَ شَهِيدًا