يُتَدَاوَى بِقِشْرِهَا وَهُوَ مُفْرِحٌ بِالْخَاصِّيَّةِ، وَيُسْتَخْرَجُ مِنْ حَبِّهَا دُهْنٌ لَهُ مَنَافِعُ وَقِيلَ: إِنَّ الْجِنَّ لَا تَقْرَبُ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الْأُتْرُجَّ فَنَاسَبَ أَنْ يُمَثِّلَ بِهِ الْقُرْآنُ الَّذِي لَا تَقْرَبُهُ الشَّيَاطِينُ، وَغِلَافُ حَبِّهِ أَبْيَضُ فَيُنَاسِبُ قَلْبَ الْمُؤْمِنِ، وَفِيهَا أَيْضًا مِنَ الْمَزَايَا كِبَرُ جُرْمِهَا وَحُسْنُ مَنْظَرِهَا وَتَفْرِيحُ لَوْنِهَا وَلِينُ مَلْمَسِهَا، وَفِي أَكْلِهَا مَعَ الِالْتِذَاذِ طِيبُ نَكْهَةٍ وَدِبَاغُ مَعِدَةٍ وَجَوْدَةِ هَضْمٍ، وَلَهَا مَنَافِعُ أُخْرَى مَذْكُورَةٌ فِي الْمُفْرَدَاتِ.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ كَمَا سَيَأْتِي بَعْدَ أَبْوَابِ: الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَعْمَلُ بِهِ، وَهِيَ زِيَادَةٌ مُفَسِّرَةٌ لِلْمُرَادِ وَأَنَّ التَّمْثِيلَ وَقَعَ بِالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَلَا يُخَالِفُ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرٍ وَنَهْيٍ لَا مُطْلَقَ التِّلَاوَةِ، فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَثُرَ التَّقْسِيمُ كَأَنْ يُقَالَ الَّذِي يَقْرَأُ وَيَعْمَلُ وَعَكْسُهُ وَالَّذِي يَعْمَلُ وَلَا يَقْرَأُ وَعَكْسُهُ، وَالْأَقْسَامُ الْأَرْبَعَةُ مُمْكِنَةٌ فِي غَيْرِ الْمُنَافِقِ وَأَمَّا الْمُنَافِقُ فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا قِسْمَانِ فَقَطْ لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِعَمَلِهِ إِذَا كَانَ نِفَاقُهُ نِفَاقُ كُفْرٍ، وَكَأَنَّ الْجَوَابَ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ الَّذِي حُذِفَ مِنَ التَّمْثِيلِ قِسْمَانِ: الَّذِي يَقْرَأُ وَلَا يَعْمَلُ، وَالَّذِي لَا يَعْمَلُ وَلَا يَقْرَأُ، وَهُمَا شَبِيهَانِ بِحَالِ الْمُنَافِقِ فَيُمْكِنُ تَشْبِيهُ الْأَوَّلِ بِالرَّيْحَانَةِ وَالثَّانِي بِالْحَنْظَلَةِ فَاكْتُفِيَ بِذِكْرِ الْمُنَافِقِ، وَالْقِسْمَانِ الْآخَرَانِ قَدْ ذُكِرَا.
قَوْلُهُ: (وَلَا رِيحَ فِيهَا) فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ: لَهَا.
قَوْلُهُ: (وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الَّذِي يَقْرَأُ) فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا رِيحَ لَهَا) فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ وَرِيحُهَا مُرٌّ وَاسْتُشْكِلَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمَرَارَةَ مِنْ أَوْصَافِ الطُّعُومِ فَكَيْفَ يُوصَفُ بِهَا الرِّيحُ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ رِيحَهَا لَمَّا كَانَ كَرِيهًا اسْتُعِيرَ لَهُ وَصْفُ الْمَرَارَةِ، وَأَطْلَقَ الزَّرْكَشِيُّ هُنَا أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَهْمٌ وَأَنَّ الصَّوَابَ مَا فِي رِوَايَةِ هَذَا الْبَابِ وَلَا رِيحَ لَهَا ثُمَّ قَالَ فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ لَمَّا جَاءَ فِيهِ: وَلَا رِيحَ لَهَا هَذَا أَصْوَبُ مِنْ رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ طَعْمُهَا مُرٌّ وَرِيحُهَا مُرٌّ ثُمَّ ذَكَرَ تَوْجِيهَهَا وَكَأَنَّهُ مَا اسْتَحْضَرَ أَنَّهَا فِي هَذَا الْكِتَابِ وَتَكَلَّمَ عَلَيْهَا فَلِذَلِكَ نَسَبَهَا لِلتِّرْمِذِيِّ. وَفِي الْحَدِيثِ فَضِيلَةُ حَامِلِي الْقُرْآنِ، وَضَرْبُ الْمَثَلِ لِلتَّقْرِيبِ لِلْفَهْمِ، وَأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ الْعَمَلَ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ.
٥٠٢١ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ ﵄، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إِنَّمَا أَجَلُكُمْ فِي أَجَلِ مَنْ خَلَا مِنْ الْأُمَمِ، كَمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَمَغْرِبِ الشَّمْسِ، وَمَثَلُكُمْ وَمَثَلُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَعْمَلَ عُمَّالًا، فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتْ الْيَهُودُ، فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى الْعَصْرِ؟ فَعَمِلَتْ النَّصَارَى، ثُمَّ أَنْتُمْ تَعْمَلُونَ مِنْ الْعَصْرِ إِلَى الْمَغْرِبِ بِقِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ، قَالُوا: نَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلًا وَأَقَلُّ عَطَاءً، قَالَ: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فَذَاكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ شِئْتُ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي:
حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ إِنَّمَا أَجَلُكُمْ فِي أَجَلِ مَنْ قَبْلَكُمْ الْحَدِيثَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي الْمَوَاقِيتِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَمُطَابَقَةُ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَةِ ثُبُوتِ فَضْلِ قَارِئِ الْقُرْآنِ عَلَى غَيْرِهِ فَيَسْتَلْزِمُ فَضْلَ الْقُرْآنِ عَلَى سَائِرِ الْكَلَامِ كَمَا فَضَّلَ الْأُتْرُجُّ عَلَى سَائِرِ الْفَوَاكِهِ، وَمُنَاسَبَةُ الْحَدِيثِ الثَّانِي مِنْ جِهَةِ ثُبُوتِ فَضْلِ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى غَيْرِهَا مِنَ الْأُمَمِ وَثُبُوتِ الْفَضْلِ لَهَا بِمَا ثَبَتَ مِنْ فَضْلِ كِتَابِهَا الَّذِي أُمِرَتْ بِالْعَمَلِ بِهِ.
١٨ - بَاب الوصاة بِكِتَابِ اللَّهِ ﷿
٥٠٢٢ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، حَدَّثَنَا طَلْحَةُ، قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى: آوْصَى النَّبِيُّ ﷺ؟ فَقَالَ: لَا، فَقُلْتُ: كَيْفَ كُتِبَ عَلَى النَّاسِ الْوَصِيَّةُ، أُمِرُوا بِهَا وَلَمْ يُوصِ؟ قَالَ: أَوْصَى بِكِتَابِ اللَّهِ.
قَوْلُهُ: (بَابُ الْوَصَاةِ بِكِتَابِ اللَّهِ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ الْوَصِيَّةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا، وَتَقَدَّمَ فِيهِ حَدِيثُ الْبَابِ مَشْرُوحًا، وَقَوْلُهُ فِيهِ: أَوْصَى بِكِتَابِ اللَّهِ بَعْدَ قَوْلِهِ: لَا حِينَ قَالَ لَهُ: هَلْ أَوْصَى بِشَيْءٍ ظَاهِرُهُمَا التَّخَالُفُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ نَفَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْإِمَارَةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ لَا مُطْلَقَ الْوَصِيَّةِ، وَالْمُرَادُ بِالْوَصِيَّةِ بِكِتَابِ اللَّهِ حِفْظُهُ حِسًّا وَمَعْنًى، فَيُكْرَمُ وَيُصَانُ وَلَا يُسَافِرُ بِهِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ، وَيَتَّبِعُ مَا فِيهِ فَيَعْمَلُ بِأَوَامِرِهِ وَيَجْتَنِبُ نَوَاهِيهِ وَيُدَاوِمُ تِلَاوَتَهُ وَتَعَلُّمَهُ وَتَعْلِيمَهُ وَنَحْوُهُ ذَلِكَ.