وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْخِلَافَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَبِأَنَّ الْمَشْهُورَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ كُلِّهِمْ أَنَّ الْقِيَامَ سُنَّةٌ، وَأَنَّهُ لَوْ أَذَّنَ قَاعِدًا صَحَّ، وَالصَّوَابُ مَا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْقِيَامَ مِنَ السُّنَّةِ.
(فَائِدَةٌ): كَانَ اللَّفْظُ الَّذِي يُنَادِي بِهِ بِلَالٌ لِلصَّلَاةِ قَوْلُهُ: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ أَخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ مِنْ مَرَاسِيلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ. وَظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّ بِلَالًا حِينَئِذٍ إِنَّمَا أُمِرَ بِالْأَذَانِ الْمَعْهُودِ فَذَكَرَ مُنَاسَبَةَ اخْتِصَاصِ بِلَالٍ بِذَاكَ دُونَ غَيْرِهِ لِكَوْنِهِ كَانَ لَمَّا عُذِّبَ لِيَرْجِعَ عَنِ الْإِسْلَامِ فَيَقُولُ: أَحَدٌ أَحَدٌ، فَجُوزِيَ بِوِلَايَةِ الْأَذَانِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى التَّوْحِيدِ فِي ابْتِدَائِهِ وَانْتِهَائِهِ، وَهِيَ مُنَاسَبَةٌ حَسَنَةٌ فِي اخْتِصَاصِ بِلَالٍ بِالْأَذَانِ، إِلَّا أَنَّ هَذَا الْمَوْضِعَ لَيْسَ هُوَ مَحَلَّهَا. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ طَلَبِ الْأَحْكَامِ مِنَ الْمَعَانِي الْمُسْتَنْبَطَةِ دُونَ الِاقْتِصَارِ عَلَى الظَّوَاهِرِ. قَالَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ، وَعَلَى مُرَاعَاةِ الْمَصَالِحِ وَالْعَمَلِ بِهَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا شَقَّ عَلَيْهِمُ التَّبْكِيرُ إِلَى الصَّلَاةِ فَتَفُوتُهُمْ أَشْغَالُهُمْ، أَوِ التَّأْخِيرُ فَيَفُوتُهُمْ وَقْتُ الصَّلَاةِ، نَظَرُوا فِي ذَلِكَ. وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ التَّشَاوُرِ فِي الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ وَأَنَّهُ لَا حَرَجَ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْمُتَشَاوِرِينَ إِذَا أَخْبَرَ بِمَا أَدَّى إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، وَفِيهِ مَنْقَبَةٌ ظَاهِرَةٌ لِعُمَرَ.
وَقَدِ اسْتُشْكِلَ إِثْبَاتُ حُكْمِ الْأَذَانِ بِرُؤْيَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ لِأَنَّ رُؤْيَا غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ لَا يَنْبَنِي عَلَيْهَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، وَأُجِيبَ بِاحْتِمَالِ مُقَارَنَةِ الْوَحْيِ لِذَلِكَ، أَوْ لِأَنَّهُ ﷺ أَمَرَ بِمُقْتَضَاهَا لِيَنْظُرَ أَيُقَرُّ عَلَى ذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَلَا سِيَّمَا لَمَّا رَأَى نَظْمَهَا يَبْعُدُ دُخُولُ الْوَسْوَاسِ فِيهِ، وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ اجْتِهَادِهِ ﷺ فِي الْأَحْكَامِ وَهُوَ الْمَنْصُورُ فِي الْأُصُولِ، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَأَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيِّ أَحَدِ كِبَارِ التَّابِعِينَ أَنَّ عُمَرَ لَمَّا رَأَى الْأَذَانَ جَاءَ لِيُخْبِرَ بِهِ النَّبِيَّ ﷺ فَوَجَدَ الْوَحْيَ قَدْ وَرَدَ بِذَلِكَ فَمَا رَاعَهُ إِلَّا أَذَانُ بِلَالٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: سَبَقَكَ بِذَلِكَ الْوَحْيُ، وَهَذَا أَصَحُّ مِمَّا حَكَى الدَّاوُدِيُّ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ ﷺ بِالْأَذَانِ قَبْلَ أَنْ يُخْبِرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ، وَعُمَرُ بِثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ، وَأَشَارَ السُّهَيْلِيُّ إِلَى أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي ابْتِدَاءِ شَرْعِ الْأَذَانِ عَلَى لِسَانِ غَيْرِ النَّبِيِّ ﷺ التَّنْوِيهُ بِعُلُوِّ قَدْرِهِ عَلَى لِسَانِ غَيْرِهِ لِيَكُونَ أَفْخَمَ لِشَأْنِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
٢ - بَاب الْأَذَانُ مَثْنَى مَثْنَى
٦٠٥ - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَأَنْ يُوتِرَ الْإِقَامَةَ إِلَّا الْإِقَامَةَ.
٦٠٦ - حَدَّثَنَي مُحَمَّدٌ وهُوَ ابْنُ سَلَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: أَخْبَرَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا كَثُرَ النَّاسُ قَالَ: ذَكَرُوا أَنْ يَعْلَمُوا وَقْتَ الصَّلَاةِ بِشَيْءٍ يَعْرِفُونَهُ فَذَكَرُوا أَنْ يُورُوا نَارًا أَوْ يَضْرِبُوا نَاقُوسًا فَأُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَأَنْ يُوتِرَ الْإِقَامَةَ.
قَوْله: (بَابُ الْأَذَانِ مَثْنَى) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ مَثْنَى مَثْنَى أَيْ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَمَثْنَى مَعْدُولٌ عَنِ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ وَهُوَ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ، فَتُحْمَلُ رِوَايَةُ الْكُشْمِيهَنِيِّ عَلَى التَّوْكِيدِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ يُفِيدُ تَثْنِيَةَ كُلِّ لَفْظٍ مِنْ أَلْفَاظِ الْأَذَانِ وَالثَّانِي يُؤَكِّدُ ذَلِكَ.
(فَائِدَةٌ): ثَبَتَ لَفْظُ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ فِي حَدِيثٍ لِابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ فَقَالَ فِيهِ: مَثْنَى مَثْنَى وَهُوَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيِّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَكِنْ بِلَفْظِ: مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ. قَوْله: (عَنْ سِمَاكِ بْنِ عَطِيَّةَ) هُوَ بَصْرِيٌّ ثِقَةٌ، رَوَى عَنْ أَيُّوبَ وَهُوَ مِنْ أَقْرَانِهِ، وَقَدْ رَوَى حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْهُمَا جَمِيعًا وَقَالَ: مَاتَ سِمَاكٌ قَبْلَ أَيُّوبَ، وَرِجَالُ إِسْنَادِهِ كُلُّهُمْ بَصْرِيُّونَ.
قَوْله: (أَنْ يَشْفَعَ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الْفَاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute