فَأَرْسَلَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَقِيلٍ فَقَالَ: زَوِّجْنِيهَا، فَقَالَ: مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ، أَنْتَ أَمِيرُ الْبَلَدِ وَابْنُ عَمِّهَا، فَأَرْسَلَ الْمُغِيرَةُ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ فَزَوَّجَهَا مِنْهُ انْتَهَى.
وَالْمُغِيرَةُ هُوَ ابْنُ شُعْبَةَ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ مُعَتِّبٍ مِنْ وَلَدِ عَوْفِ بْنِ ثَقِيفٍ فَهِيَ بِنْتُ عَمِّهِ لَحًّا. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي عَقِيلٍ هُوَ ابْنُ عَمِّهِمَا مَعًا أَيْضًا؛ لِأَنَّ جَدَّهُ هُوَ مَسْعُودٌ الْمَذْكُورُ. وَأَمَّا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ ثَقَفِيًّا أَيْضًا لَكِنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ مَعَهُمْ إِلَّا فِي جَدِّهِمُ الْأَعْلَى ثَقِيفٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ وَلَدِ جُشَمَ بْنِ ثَقِيفٍ، فَوَضُحَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: هُوَ أَوْلَى النَّاسِ، وَعُرِفَ اسْمُ الرَّجُلِ الْمُبْهَمِ فِي الْأَثَرِ الْمُعَلَّقِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ لِأُمِّ حَكِيمِ بِنْتِ قَارِظٍ: أَتَجْعَلِينَ أَمْرَكِ إِلَيَّ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَقَالَ: فَقَدْ تَزَوَّجْتُكِ) وَصَلَهُ ابْنُ سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ خَالِدٍ أَنَّ أُمَّ حَكِيمِ بِنْتَ قَارِظٍ قَالَتْ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: إِنَّهُ قَدْ خَطَبَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ، فَزَوِّجْنِي أَيُّهُمْ رَأَيْتَ. قَالَ: وَتَجْعَلِينَ ذَلِكَ إِلَيَّ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: قَدْ تَزَوَّجْتُكِ، قَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ: فَجَازَ نِكَاحُهُ. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ أُمَّ حَكِيمٍ فِي النِّسَاءِ اللَّوَاتِي لَمْ يَرْوِينَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ وَرَوَيْنَ عَنْ أَزْوَاجِهِ، وَلَمْ يَزِدْ فِي التَّعْرِيفِ بِهَا عَلَى مَا فِي هَذَا الْخَبَرِ، وَذَكَرَهَا فِي تَسْمِيَةِ أَزْوَاجِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي تَرْجَمَتِهِ فَنَسَبَهَا فَقَالَ: أُمُّ حَكِيمٍ بِنْتُ قَارِظِ بْنِ خَالِدِ بْنِ عُبَيْدٍ حَلِيفِ بَنِي زُهْرَةَ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ عَطَاءٌ: لِيَشْهَدْ أَنِّي قَدْ نَكَحْتُكِ، أَوْ لِيَأْمُرْ رَجُلًا مِنْ عَشِيرَتِهَا) وَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: امْرَأَةٌ خَطَبَهَا ابْنُ عَمٍّ لَهَا لَا رَجُلَ لَهَا غَيْرُهُ، قَالَ: فَلْتَشْهَدْ أَنَّ فُلَانًا خَطَبَهَا، وَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ نَكَحْتُهُ، أَوْ لِتَأْمُرْ رَجُلًا مِنْ عَشِيرَتِهَا.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ سَهْلٌ: قَالَتِ امْرَأَةٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ: أَهَبُ لَكَ نَفْسِي، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا) هَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثِ الْوَاهِبَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَوْصُولًا فِي بَابِ تَزْوِيجِ الْمُعْسِرِ، وَفِي بَابِ النَّظَرِ إِلَى الْمَرْأَةِ قَبْلَ التَّزْوِيجِ وَغَيْرِهما، وَوَصَلَهُ فِي الْبَابِ بِلَفْظٍ آخَرَ، وَأَقْرَبُهَا إِلَى لَفْظِ هَذَا التَّعْلِيقِ رِوَايَةُ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ بِلَفْظِ: إِنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، جِئْتُ لِأَهَبَ لَكَ نَفْسِي - وَفِيهِ - فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ مِثْلَهُ.
ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ عَائِشَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ﴾ أَوْرَدَهُ مُخْتصَرًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي التَّفْسِيرِ، وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّ قَوْلَهُ: فَرَغِبَ عَنْهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، أَوْ يَأْمُرَ غَيْرَهُ فَيُزَوِّجَهُ، وَبِهِ احْتَجَّ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَلَى الْجَوَازِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ لَمَّا عَاتَبَ الْأَوْلِيَاءَ فِي تَزْوِيجِ مَنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْمَالِ وَالْجَمَالِ بِدُونِ سُنَّتِهَا مِنَ الصَّدَاقِ، وَعَاتَبَهُمْ عَلَى تَرْكِ تَزْوِيجِ مَنْ كَانَتْ قَلِيلَةَ الْمَالِ وَالْجَمَالِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْوَلِيَّ يَصِحُّ مِنْهُ تَزْوِيجُهَا مِنْ نَفْسِهِ، إِذْ لَا يُعَاتِبُ أَحَدٌ عَلَى تَرْكِ مَا هُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِ، وَدَلَّ ذَلِكَ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ يَتَزَوَّجُهَا وَلَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ أَنْ يُقْسِطَ لَهَا فِي الصَّدَاقِ، وَلَوْ كَانَتْ بَالِغًا لَمَا مَنَعَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِمَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ مَنْ لَا أَمْرَ لَهَا فِي نَفْسِهَا. وَقَدْ أُجِيبَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادَ بِذَلِكَ السَّفِيهَةُ فَلَا أَثَرَ لِرِضَاهَا بِدُونِ مَهْرٍ مِثْلُهَا كَالْبِكْرِ.
ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فِي الْوَاهِبَةِ، وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ قَرِيبًا، وَوَجْهُ الْأَخْذِ مِنْهُ الْإِطْلَاقُ أَيْضًا، لَكِنِ انْفَصَلَ مِنْ مَنْعِ ذَلِكَ بِأَنَّهُ مَعْدُودٌ مِنْ خَصَائِصِهِ ﷺ أَنْ يُزَوِّجَ نَفْسَهُ وَبِغَيْرِ وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ وَلَا اسْتِئْذَانٍ، وَبِلَفْظِ الْهِبَةِ كَمَا يَأْتِي تَقْرِيرُهُ، وَقَوْلُهُ فِيهِ: فَلَمْ يُرِدْهَا بِسُكُونِ الدَّالِ مِنَ الْإِرَادَةِ، وَحَكَى بَعْضُ الشُّرَّاحِ تَشْدِيدَ الدَّالِ وَفَتْحَ أَوَّلِهِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ.
٣٨ - بَاب إِنْكَاحِ الرَّجُلِ وَلَدَهُ الصِّغَارَ
لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ﴾ فَجَعَلَ عِدَّتَهَا ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ قَبْلَ الْبُلُوغِ