قَوْلُهُ: (وَقَالَ مُجَاهِدٌ تَقْرِضُهُمْ تَتْرُكُهُمْ) يَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي التَّفْسِيرِ.
(تَنْبِيهٌ):
لَمْ يَذْكُرِ الْمُصَنِّفُ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ حَدِيثًا مُسْنَدًا، وَقَدْ رَوَى عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قِصَّةَ أَصْحَابِ الْكَهْفِ مُطَوَّلَةً غَيْرَ مَرْفُوعَةٍ، وَمُلَخَّصُ مَا ذُكِرَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ غَزَا مَعَ مُعَاوِيَةَ الصَّائِفَةَ فَمَرُّوا بِالْكَهْفِ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أُرِيدُ أَنْ أَكْشِفَ عَنْهُمْ، فَمَنَعَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَصَمَّمَ وَبَعَثَ نَاسًا، فَبَعَثَ اللَّهُ رِيحًا فَأَخْرَجَتْهُمْ، قَالَ: فَبَلَغَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: إِنَّهُمْ كَانُوا فِي مَمْلَكَةِ جَبَّارٍ يَعْبُدُ الْأَوْثَانَ فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ خَرَجُوا مِنْهَا فَجَمَعَهُمُ اللَّهُ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ، فَأَخَذَ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ الْعُهُودَ وَالْمَوَاثِيقَ، فَجَاءَ أَهَالِيهِمْ يَطْلُبُونَهُمْ فَفَقَدُوهُمْ، فَأَخْبَرُوا الْمَلِكَ فَأَمَرَ بِكِتَابَةِ أَسْمَائِهِمْ فِي لَوْحٍ مِنْ رَصَاصٍ وَجَعَلَهُ فِي خِزَانَتِهِ، فَدَخَلَ الْفِتْيَةُ الْكَهْفَ فَضَرَبَ اللَّهُ عَلَى آذَانِهِمْ فَنَامُوا. فَأَرْسَلَ اللَّهُ مَنْ يُقَلِّبُهُمْ وَحَوَّلَ الشَّمْسَ عَنْهُمْ فَلَوْ طَلَعَتْ عَلَيْهِمْ لَأَحْرَقَتْهُمْ، وَلَوْلَا أَنَّهُمْ يُقَلَّبُونَ لَأَكَلَتْهُمُ الْأَرْضُ.
ثُمَّ ذَهَبَ ذَلِكَ الْمَلِكُ وَجَاءَ آخَرُ فَكَسَّرَ الْأَوْثَانَ وَعَبَدَ اللَّهَ وَعَدَلَ، فَبَعَثَ اللَّهُ أَصْحَابَ الْكَهْفِ فَأَرْسَلُوا وَاحِدًا مِنْهُمْ يَأْتِيهِمْ بِمَا يَأْكُلُونَ فَدَخَلَ الْمَدِينَةَ مُسْتَخْفِيًا فَرَأَى هَيْئَةً وَنَاسًا أَنْكَرَهُمْ لِطُولِ الْمُدَّةِ، فَدَفَعَ دِرْهَمًا إِلَى خَبَّازٍ فَاسْتَنْكَرَ ضَرْبَهُ وَهَمَّ بِأَنْ يَرْفَعَهُ إِلَى الْمَلِكِ، فَقَالَ أَتُخَوِّفُنِي بِالْمَلِكِ وَأَبِي دِهْقَانُهُ، فَقَالَ: مَنْ أَبُوكَ؟ فَقَالَ: فُلَانٌ، فَلَمْ يَعْرِفْهُ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ فَرَفَعُوهُ إِلَى الْمَلِكِ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: عَلَيَّ بِاللَّوْحِ، وَكَانَ قَدْ سَمِعَ بِهِ فَسَمَّى أَصْحَابَهُ فَعَرَفَهُمْ مِنَ اللَّوْحِ، فَكَبَّرَ النَّاسُ وَانْطَلَقُوا إِلَى الْكَهْفِ وَسَبَقَ الْفَتَى لِئَلَّا يَخَافُوا مِنَ الْجَيْشِ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِمْ عَمَّى اللَّهُ عَلَى الْمَلِكِ وَمَنْ مَعَهُ الْمَكَانَ فَلَمْ يَدْرِ أَيْنَ يذَهَب الْفَتَى، فَاتَّفَقَ رَأْيُهُمْ عَلَى أَنْ يَبْنُوا عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا فَجَعَلُوا يَسْتَغْفِرُونَ لَهُمْ وَيَدْعُونَ لَهُمْ.
وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ: كَانَ لِي صَاحِبٌ قَوِيُّ النَّفْسِ، فَمَرَّ بِالْكَهْفِ فَأَرَادَ أَنْ يَدْخُلَهُ فَنُهِيَ، فَأَبَى فَأَشْرَفَ عَلَيْهِمْ فَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ وَتَغَيَّرَ شَعْرُهُ. وَعَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ السَّبَبَ فِيمَا جَرَى لَهُمْ أَنَّهُمْ تَذَاكَرُوا هَلْ يَبْعَثُ اللَّهُ الرُّوحَ وَالْجَسَدَ أَوِ الرُّوحَ فَقَطْ، فَأَلْقَى اللَّهُ عَلَيْهِمُ النَّوْمَ فَنَامُوا الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ ثُمَّ بَعَثَهُمْ فَعَرَفُوا أَنَّ الْجَسَدَ يُبْعَثُ كَمَا تُبْعَثُ الرُّوحُ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ اسْمَ الْمَلِكِ الْأَوَّلِ دِقْيَانُوسَ وَاسْمُ الْفِتْيَةِ: مَكْسِلِمْيَنَا، وَمَخْشِلِيشَا، وَتَمْلِيخَا، وَمَرْطُونَسُ، وَكَنْشُطُونَسُ، وَبِيرُونَسُ، وَدِينَمُوسُ، وَفِي النُّطْقِ بِهَا اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ، وَلَا يَقَعُ الْوُثُوقُ مِنْ ضَبْطِهَا بِشَيْءٍ. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ اسْمَ كَلْبِهِمْ قَطْمِيرُوا، وَعَنِ الْحَسَنِ قَطْمِيرُ، وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ. وَأَمَّا لَوْنُهُ فَقَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَ أَصْفَرَ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ دَرَاهِمَهُمْ كَانَتْ كَخِفَافِ الْإِبِلِ، وَأَنَّ تَمْلِيخَا هُوَ الَّذِي كَانَ رَسُولَهُمْ لِشِرَاءِ الطَّعَامِ. وَقَدْ سَاقَ ابْنُ إِسْحَاقَ قِصَّتَهُمْ فِي الْمُبْتَدأ مُطَوَّلَةً، وَأَفَادَ أَنَّ اسْمَ الْمَلِكِ الصَّالِحِ الَّذِي عَاشُوا فِي زَمَنِهِ بتدرسيس وَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّ الْكَلْبَ الَّذِي كَانَ مَعَهُمْ كَانَ كَلْبَ صَيْدٍ، وَعَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ كَانَ كَلْبَ حَرْثٍ، وَعَنْ مُقَاتِلٍ كَانَ الْكَلْبُ لِكَبِيرِهِمْ وَكَانَ كَلْبَ غَنَمٍ، وَقِيلَ: كَانَ إِنْسَانًا طَبَّاخًا تَبِعَهُمْ وَلَيْسَ بِكَلْبٍ حَقِيقَةً، وَالْأَوَّلُ الْمُعْتَمَدُ.
٥٣ - بَاب حَدِيثُ الْغَارِ
٣٤٦٥ - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ ﵄، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: بَيْنَمَا ثَلَاثَةُ نَفَرٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ إِذْ أَصَابَهُمْ مَطَرٌ فَأَوَوْا إِلَى غَارٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute