- وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَافِعٍ - ثِقَةٌ، وَإِنْ كَانَ الْبُخَارِيُّ لَمْ يُخَرِّجْ لَهُ. وَبِهَذَا الْحَدِيثِ احْتَجَّ مَنْ قَالَ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِحْصَارِ بِالْعَدُوِّ وَبِغَيْرِهِ، كَمَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ تَحَلَّلَ بِالْإِحْصَارِ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا تَحَلَّلَ مِنْهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ: لَا يَجِبُ، وَبِهِ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ. وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ. وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ بَعْدَ بَابَيْنِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
٢ - بَاب الْإِحْصَارِ فِي الْحَجِّ
١٨١٠ - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمٌ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ ﵄ يَقُولُ: أَلَيْسَ حَسْبُكُمْ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: إِنْ حُبِسَ أَحَدُكُمْ عَنْ الْحَجِّ طَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى يَحُجَّ عَامًا قَابِلًا، فَيُهْدِي أَوْ يَصُومُ إِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ:، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمٌ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، نَحْوَهُ.
قَوْلُهُ: (بَابُ الْإِحْصَارِ فِي الْحَجِّ) قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ: أَشَارَ الْبُخَارِيُّ إِلَى أَنَّ الْإِحْصَارَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ إِنَّمَا وَقَعَ فِي الْعُمْرَةِ، فَقَاسَ الْعُلَمَاءُ الْحَجَّ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ مِنَ الْإِلْحَاقِ بِنَفْيِ الْفَارِقِ، وَهُوَ مِنْ أَقْوَى الْأَقْيِسَةِ. قُلْتُ: وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ مُرَادَ ابْنِ عُمَرَ بِقَوْلِهِ: سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ قِيَاسُ مَنْ يَحْصُلُ لَهُ الْإِحْصَارُ وَهُوَ حَاجٌّ عَلَى مَنْ يَحْصُلُ لَهُ فِي الِاعْتِمَارِ؛ لِأَنَّ الَّذِي وَقَعَ لِلنَّبِيِّ ﷺ هُوَ الْإِحْصَارُ عَنِ الْعُمْرَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ عُمَرَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ وَبِمَا بَيَّنَهُ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْئًا سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَحْصُلْ (١) لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ حَاجٌّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ) هُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَيُونُسُ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ، وَقَدْ عَقَّبَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْحَدِيثَ بِأَنْ قَالَ: وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، نَحْوَهُ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْإِسْنَادِ الْأَوَّلِ، فَكَأَنَّ ابْنَ الْمُبَارَكِ كَانَ يُحَدِّثُ بِهِ تَارَةً عَنْ يُونُسَ، وَتَارَةً عَنْ مَعْمَرٍ، وَلَيْسَ هُوَ بِمُعَلَّقٍ كَمَا ادَّعَاهُ بَعْضُهُمْ. وَقَدْ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، وَلَفْظُهُ: أَنَّهُ كَانَ يُنْكِرُ الِاشْتِرَاطَ وَيَقُولُ: أَلَيْسَ حَسْبُكُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ بْنِ عَرَفَةَ، وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ، وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ مَنِيعٍ وَغَيْرِهِ، كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَأَحْمَدُ عَنْهُ عَنْ مَعْمَرٍ مُقْتَصِرًا عَلَى هَذَا الْقَدْرِ، وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِتَمَامِهِ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَأَمَّا إِنْكَارُ ابْنِ عُمَرَ الِاشْتِرَاطَ فَثَابِتٌ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ أَيْضًا، إِلَّا أَنَّهُ حُذِفَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ هَذِهِ، فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ السَّرَّاجِ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، وَأَشَارَ ابْنُ عُمَرَ بِإِنْكَارِ الِاشْتِرَاطِ إِلَى مَا كَانَ يُفْتِي بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لَوْ بَلَغَ ابْنَ عُمَرَ حَدِيثُ ضُبَاعَةَ فِي الِاشْتِرَاطِ لَقَالَ بِهِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مَرَّ بِضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: أَمَا تُرِيدِينَ الْحَجَّ؟ فَقَالَتْ: إِنِّي شَاكِيَةٌ. فَقَالَ لَهَا: حُجِّي وَاشْتَرِطِي أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي. قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَوْ ثَبَتَ حَدِيثُ عُرْوَةَ لَمْ أَعْدُهُ إِلَى غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ عِنْدِي خِلَافُ مَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ:
(١) في هامش طبعة بولاق: كذا بالنسخ، ولعل الأولى حذف "لم".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute