للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَوْلُهُ: (عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ) كَذَا قَالَ سُفْيَانُ وَتَابَعَهُ مَعْمَرٌ، وَابْنُ أَبِي حَفْصَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَخَالَفَهُمْ يُونُسُ، فَقَالَ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ لِلزُّهْرِيِّ فِيهِ شَيْخَيْنِ.

قَوْلُهُ: (أَسْرِعُوا) نَقَلَ ابْنُ قُدَامَةَ أَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ لِلِاسْتِحْبَابِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَشَذَّ ابْنُ حَزْمٍ فَقَالَ بِوُجُوبِهِ. وَالْمُرَادُ بِالْإِسْرَاعِ شِدَّةُ الْمَشْيِ وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلَهُ بَعْضُ السَّلَفِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ. قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: وَيَمْشُونَ بِهَا مُسْرِعِينَ دُونَ الْخَبَبِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ: لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مُؤَقَّتٌ، غَيْرَ أَنَّ الْعَجَلَةَ أَحَبُّ إِلَى أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَنِ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ: الْمُرَادُ بِالْإِسْرَاعِ مَا فَوْقَ سَجِيَّةِ الْمَشْيِ الْمُعْتَادِ، وَيُكْرَهُ الْإِسْرَاعُ الشَّدِيدُ. وَمَالَ عِيَاضٌ إِلَى نَفْيِ الْخِلَافِ، فَقَالَ: مَنِ اسْتَحَبَّهُ أَرَادَ الزِّيَادَةَ عَلَى الْمَشْيِ الْمُعْتَادِ، وَمَنْ كَرِهَهُ أَرَادَ الْإِفْرَاطَ فِيهِ كَالرَّمَلِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْإِسْرَاعُ، لَكِنْ بِحَيْثُ لَا يَنْتَهِي إِلَى شِدَّةٍ يُخَافُ مَعَهَا حُدُوثُ مَفْسَدَةٍ بِالْمَيِّتِ، أَوْ مَشَقَّةٍ عَلَى الْحَامِلِ أَوِ الْمُشَيِّعِ، لِئَلَّا يُنَافِيَ الْمَقْصُودَ مِنَ النَّظَافَةِ وَإِدْخَالِ الْمَشَقَّةِ عَلَى الْمُسْلِمِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: مَقْصُودُ الْحَدِيثِ أَنْ لَا يُتَبَاطَأَ بِالْمَيِّتِ عَنِ الدَّفْنِ، وَلِأَنَّ التَّبَاطُؤَ رُبَّمَا أَدَّى إِلَى التَّبَاهِي وَالِاخْتِيَالِ.

قَوْلُهُ: (بِالْجِنَازَةِ) أَيْ بِحَمْلِهَا إِلَى قَبْرِهَا. وَقِيلَ: الْمَعْنَى بِتَجْهِيزِهَا، فَهُوَ أَعَمُّ مِنَ الْأَوَّلِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الثَّانِي بَاطِلٌ مَرْدُودٌ بِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ. وَتَعَقَّبَهُ الْفَاكِهِيُّ بِأَنَّ الْحَمْلَ عَلَى الرِّقَابِ قَدْ يُعَبَّرُ بِهِ عَنِ الْمَعَانِي، كَمَا تَقُولُ: حَمَلَ فُلَانٌ عَلَى رَقَبَتِهِ ذُنُوبًا، فَيَكُونُ الْمَعْنَى: اسْتَرِيحُوا مِنْ نَظَرِ مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ. قَالَ: وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْكُلَّ لَا يَحْمِلُونَهُ. انْتَهَى. وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ فَلَا تَحْبِسُوهُ، وَأَسْرِعُوا بِهِ إِلَى قَبْرِهِ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ حُصَيْنِ بْنِ وَحْوَحَ مَرْفُوعًا: لَا يَنْبَغِي لِجِيفَةِ مُسْلِمٍ أَنْ تَبْقَى بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَهْلِهِ، الْحَدِيثَ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً) أَيِ الْجُثَّةُ الْمَحْمُولَةُ. قَالَ الطِّيبِيُّ: جُعِلَتِ الْجِنَازَةُ عَيْنَ الْمَيِّتِ، وَجُعِلْتِ الْجِنَازَةُ الَّتِي هِيَ مَكَانَ الْمَيِّتِ مُقَدَّمَةً إِلَى الْخَيْرِ الَّذِي كُنِّيَ بِهِ عَنْ عَمَلِهِ الصَّالِحِ.

قَوْلُهُ: (فَخَيْرٌ) هُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: فَهُوَ خَيْرٌ، أَوْ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ، أَيْ: فَلَهَا خَيْرٌ، أَوْ فَهُنَاكَ خَيْرٌ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ: قَرَّبْتُمُوهَا إِلَى الْخَيْرِ. وَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ: فَشَرٌّ. نَظِيرُ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (تُقَدِّمُونَهَا إِلَيْهِ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى الْخَيْرِ بِاعْتِبَارِ الثَّوَابِ، قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: رُوِيَ: تُقَدِّمُونَهُ إِلَيْهَا. فَأَنَّثَ الضَّمِيرَ عَلَى تَأْوِيلِ الْخَيْرِ بِالرَّحْمَةِ أَوِ الْحُسْنَى.

قَوْلُهُ: (تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ) اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ حَمْلَ الْجِنَازَةِ يَخْتَصُّ بِالرِّجَالِ لِلْإِتْيَانِ فِيهِ بِضَمِيرِ الْمُذَكَّرِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ.

وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الْمُبَادَرَةِ إِلَى دَفْنِ الْمَيِّتِ، لَكِنْ بَعْدَ أَنْ يَتَحَقَّقَ أَنَّهُ مَاتَ، أَمَّا مَثَلُ الْمَطْعُونِ وَالْمَفْلُوجِ وَالْمَسْبُوتِ (١) فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُسْرَعَ بِدَفْنِهِمْ حَتَّى يَمْضِيَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ لِيَتَحَقَّقَ مَوْتُهُمْ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ بَزِيزَةَ.

وَيُؤْخَذُ مِنَ الْحَدِيثِ تَرْكُ صُحْبَةِ أَهْلِ الْبَطَالَةِ وَغَيْرُ الصَّالِحِينَ.

٥٢ - بَاب قَوْلِ الْمَيِّتِ وَهُوَ عَلَى الْجِنَازَةِ: قَدِّمُونِي

١٣١٦ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ يَقُولُ: إِذَا وُضِعَتْ الْجِنَازَةُ فَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً


(١) المطعون: هو المصاب بالطاعون، وهو داء معروف. والمفلوج: المصاب بالفالج. والمسبوت: المصاب بالغشية، يقال سبت المريض إذا غشي عليه. والتحديد في تحقيق موت مثل هؤلاء باليوم والليلة فيه نظر، والأولى عدم التحديد، بل يرجع إلى العلامات الدالة على الموت، فمتى وجد منها ما يدل على يقين الموت اكتفى بذلك وإن لم يمض يوم وليلة، والله أعلم.