أَبُو حَنِيفَةَ وَحْدَهُ: يَتَخَيَّرُ الشَّرِيكُ بَيْنَ الِاسْتِسْعَاءِ وَبَيْنَ عِتْقِ نَصِيبِهِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ عِنْدَهُ ابْتِدَاءً إِلَّا النَّصِيبُ الْأَوَّلُ فَقَطْ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا جَنَحَ إِلَيْهِ الْبُخَارِيُّ مِنْ أَنَّهُ يَصِيرُ كَالْمُكَاتَبِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيهُهُ. وَعَنْ عَطَاءٍ: يَتَخَيَّرُ الشَّرِيكُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ إِبْقَاءِ حِصَّتِهِ فِي الرِّقِّ. وَخَالَفَ الْجَمِيعَ زُفَرُ؛ فَقَالَ: يُعْتَقُ كُلُّهُ وَتُقَوَّمُ حِصَّةُ الشَّرِيكِ فَتُؤْخَذُ إِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا، وَتُرَتَّبُ فِي ذِمَّتِهِ إِنْ كَانَ مُعْسِرًا.
٦ - بَاب الْخَطَأ وَالنِّسْيَانِ فِي الْعَتَاقَةِ وَالطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ، وَلَا عَتَاقَةَ إِلَّا لِوَجْهِ اللَّهِ تعالى
وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى. وَلَا نِيَّةَ لِلنَّاسِي وَالْمُخْطِئِ
٢٥٢٨ - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي مَا وَسْوَسَتْ بِهِ صُدُورُهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَكَلَّمْ.
[الحديث ٢٥٢٨ - طرفاه في: ٥٢٦٩، ٦٦٦٤]
٢٥٢٩ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ﵁ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَلِامْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ"
قَوْلُهُ: (بَابُ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ فِي الْعَتَاقَةِ وَالطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ)؛ أَيْ مِنَ التَّعْلِيقَاتِ لَا يَقَعُ شَيْءٌ مِنْهَا إِلَّا بِالْقَصْدِ، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى رَدِّ مَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعِتَاقُ عَامِدًا كَانَ أَوْ مُخْطِئًا ذَاكِرًا كَانَ أَوْ نَاسِيًا، وَقَدْ أَنْكَرَهُ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ مَذْهَبِهِ، قَالَ الدَّاوُدِيُّ: وُقُوعُ الْخَطَأِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتَاقِ أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَلْفِظَ بِشَيْءٍ غَيْرِهِمَا فَيَسْبِقُ لِسَانُهُ إِلَيْهِمَا، وَأَمَّا النِّسْيَانُ فَفِيمَا إِذَا حَلَفَ وَنَسِيَ.
قَوْلُهُ: (وَلَا عَتَاقَةَ إِلَّا لِوَجْهِ اللَّهِ) سَيَأْتِي فِي الطَّلَاقِ نَقْلُ مَعْنَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍ ﵁، وَفِي الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: لَا طَلَاقَ إِلَّا لِعِدَّةٍ، وَلَا عِتَاقَ إِلَّا لِوَجْهِ اللَّهِ. وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِذَلِكَ إِثْبَاتَ اعْتِبَارِ النِّيَّةِ، لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ كَوْنُهُ لِوَجْهِ اللَّهِ إِلَّا مَعَ الْقَصْدِ، وَأَشَارَ إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ: مَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ لِوَجْهِ اللَّهِ أَوِ للشَّيْطَانِ أَوْ لِلصَّنَمِ عَتَقَ لِوُجُودِ رُكْنِ الْإِعْتَاقِ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ لَا تُخِلُّ بِالْعِتْقِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) هُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ، وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْبَابِ بِلَفْظِ: وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى، وَاللَّفْظُ الْمُعَلَّقُ أَوْرَدَهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ: وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، وَأَوْرَدَهُ فِي أَوَاخِرِ الْإِيمَانِ بِلَفْظِ: وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، وَإِنَّمَا فِيهِ مُقَدَّرَةٌ.
قَوْلُهُ: (وَلَا نِيَّةَ لِلنَّاسِي وَالْمُخْطِئِ) وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْقَابِسِيِّ: الْخَاطِئِ بَدَلَ الْمُخْطِئِ. قَالُوا: الْمُخْطِئُ مَنْ أَرَادَ الصَّوَابَ فَصَارَ إِلَى غَيْرِهِ، وَالْخَاطِئُ مَنْ تَعَمَّدَ لِمَا لَا يَنْبَغِي. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِهَذَا الِاسْتِنْبَاطِ إِلَى بَيَانِ أَخْذِ التَّرْجَمَةِ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَشَارَ بِالتَّرْجَمَةِ إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ كَعَادَتِهِ، وَهُوَ الْحَدِيثُ الَّذِي يَذْكُرُهُ أَهْلُ الْفِقْهِ وَالْأُصُولِ كَثِيرًا بِلَفْظِ: رَفَعَ اللَّهُ عَنْ أُمَّتِي