الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ، أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، إِلَّا أَنَّهُ بِلَفْظِ: وَضَعَ بَدَلَ رَفَعَ، وَأَخْرَجَهُ الْفَضْلُ بْنُ جَعْفَرٍ التَّيْمِيُّ فِي فَوَائِدِهِ بِالْإِسْنَادِ الَّذِي أَخْرَجَهُ بِهِ ابْنُ مَاجَهْ بِلَفْظِ: رَفَعَ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، إِلَّا أَنَّهُ أُعِلَّ بِعِلَّةٍ غَيْرِ قَادِحَةٍ، فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ الْوَلِيدِ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ عَطَاءٍ عَنْهُ، وَقَدْ رَوَاهُ بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ فَزَادَ: عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ بَيْنَ عَطَاءٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ وَالطَّبَرَانِيُّ.
وَهُوَ حَدِيثٌ جَلِيلٌ، قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: يَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ نِصْفَ الْإِسْلَامِ، لِأَنَّ الْفِعْلَ إِمَّا عَنْ قَصْدٍ وَاخْتِيَارٍ أَوْ لَا، الثَّانِي مَا يَقَعُ عَنْ خَطَأٍ أَوْ نِسْيَانٍ أَوْ إِكْرَاهٍ فَهَذَا الْقِسْمُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ بِاتِّفَاقٍ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ: هَلِ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ الْإِثْمُ أَوِ الْحُكْمُ أَوْ هُمَا مَعًا؟ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْأَخِيرُ، وَمَا خَرَجَ عَنْهُ كَالْقَتْلِ فَلَهُ دَلِيلٌ مُنْفَصِلٌ، وَسَيَأْتِي بَسْطُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَتَقْدِيرُ قَوْلِهِ: وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى يُعْتَدُّ لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، وَهُوَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَوْ فِي الْآخِرَةِ فَقَطْ، وَبِحَسَبِ هَذَيْنِ الِاحْتِمَالَيْنِ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الْحُكْمِ.
قَوْلُهُ: (عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى) يَأْتِي فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ بِلَفْظِ: حَدَّثَنَا زُرَارَةُ، وَهُوَ مِنْ ثِقَاتِ التَّابِعِينَ، كَانَ قَاضِيَ الْبَصْرَةِ، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ إِلَّا أَحَادِيثُ يَسِيرَةٌ.
قَوْلُهُ: (مَا وَسْوَسَتْ بِهِ صُدُورُهَا) يَأْتِي فِي الطَّلَاقِ بِلَفْظِ: مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسُهَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَصُدُورُهَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ بِالضَّمِّ، وَلِلْأَصِيلِيِّ بِالْفَتْحِ عَلَى أَنَّ وَسْوَسَتْ مُضَمَّنٌ مَعْنَى حَدَّثَتْ، وَحَكَى الطَّبَرِيُّ هَذَا الِاخْتِلَافَ فِي حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسُهَا، وَالضَّمُّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ﴾
قَوْلُهُ: (مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَكَلَّمْ) وَيَأْتِي فِي النُّذُورِ بِلَفْظِ: مَا لَمْ تَعْمَلْ بِهِ. وَالْمُرَادُ نَفْيُ الْحَرَجِ عَمَّا يَقَعُ فِي النَّفْسِ حَتَّى يَقَعَ الْعَمَلُ بِالْجَوَارِحِ، أَوِ الْقَوْلُ بِاللِّسَانِ عَلَى وَفْقِ ذَلِكَ. وَالْمُرَادُ بِالْوَسْوَسَةِ تَرَدُّدُ الشَّيْءِ فِي النَّفْسِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْمَئِنَّ إِلَيْهِ وَيَسْتَقِرَّ عِنْدَهُ، وَلِهَذَا فَرَّقَ الْعُلَمَاءُ بَيْنَ الْهَمِّ وَالْعَزْمِ كَمَا سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي حَدِيثِ: مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ، وَمِنْ هُنَا تَظْهَرُ مُنَاسَبَةُ هَذَا الْحَدِيثِ لِلتَّرْجَمَةِ، لِأَنَّ الْوَسْوَسَةَ لَا اعْتِبَارَ لَهَا عِنْدَ عَدَمِ التَّوَطُّنِ فَكَذَلِكَ الْمُخْطِئُ وَالنَّاسِي لَا تَوَطُّنَ لَهُمَا، وَزَادَ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ فِي آخِرِهِ: وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ، وَأَظُنُّهَا مُدْرَجَةً مِنْ حَدِيثٍ آخَرَ، دَخَلَ عَلَى هِشَامٍ حَدِيثٌ فِي حَدِيثٍ. قِيلَ: لَا مُطَابَقَةَ بَيْنَ الْحَدِيثِ وَالتَّرْجَمَةِ لِأَنَّ التَّرْجَمَةَ فِي النِّسْيَانِ، وَالْحَدِيثَ فِي حَدِيثِ النَّفْسِ، وَأَجَابَ الْكَرْمَانِيُّ بِأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى إِلْحَاقِ النِّسْيَانِ بِالْوَسْوَسَةِ، فَكَمَا أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ لِلْوَسْوَسَةِ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَقِرُّ فَكَذَلِكَ الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ لَا اسْتِقْرَارَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ شَغْلَ الْبَالِ بِحَدِيثِ النَّفْسِ يَنْشَأُ عَنِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ، وَمِنْ ثَمَّ رَتَّبَ عَلَى مَنْ لَا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ فِي الصَّلَاةِ مَا سَبَقَ فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ مِنَ الْغُفْرَانِ.
(تَنْبِيهٌ): ذَكَرَ خَلَفٌ فِي الْأَطْرَافِ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْعِتْقِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، وَلَمْ نَرَهُ فِيهِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَبُو مَسْعُودٍ وَلَا الطَّوْقِيُّ وَلَا ابْنُ عَسَاكِرَ، وَلَا اسْتَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَلَا أَبُو نُعَيْمٍ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: (عَنْ سُفْيَانَ) هُوَ الثَّوْرِيُّ.
قَوْلُهُ: (الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ وَلِامْرِئٍ مَا نَوَى) كَذَا أَخْرَجَهُ بِحَذْفِ إِنَّمَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ فَقَالَ: إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى.
قَوْلُهُ: (إِلَى دُنْيَا) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: لِدُنْيَا، وَهِيَ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ الْمَذْكُورَةُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ، وَيَأْتِي بَقِيَّةٌ مِنْهُ فِي تَرْكِ الْحِيَلِ وَغَيْرِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.