وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِهَذَا فِي بَابِ السَّرِقَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
٨ - بَاب الْحُدُودُ كَفَّارَةٌ
٦٧٨٤ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ ﵁ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ فِي مَجْلِسٍ فَقَالَ: بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا تَزْنُوا. وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ كُلَّهَا فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَتُهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ.
قَوْلُهُ: (بَابٌ الْحُدُودُ كَفَّارَةٌ).
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ) لَمْ أَرَهُ مَنْسُوبًا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْبِيكَنْدِيُّ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْفِرْيَابِيُّ، وَبِهِ جَزَمَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ هُوَ سُفْيَانُ.
قَوْلُهُ: (عَنِ الزُّهْرِيِّ) فِي رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ، وَذَكَرَ حَدِيثَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَفِيهِ: وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ: وَمَنْ أَتَى مِنْكُمْ حَدًّا.
وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ رَفَعَهُ: مَنْ أَصَابَ ذَنْبًا أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّ ذَلِكَ الذَّنْبِ فَهُوَ كَفَّارَتُهُ وَسَنَدُهُ حَسَنٌ.
وَفِي الْبَابِ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ نَحْوُهُ عِنْدَ أَبِي الشَّيْخِ، وَفِي حَدِيثِ عَمْرٍو بن شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عِنْدَهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ إِلَيْهِ نَحْوُ حَدِيثِ عُبَادَةَ وَفِيهِ: فَمَنْ فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَأُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَهُوَ كَفَّارَتُهُ.
وَعَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ نَحْوُهُ عِنْدَ أَبِي الشَّيْخِ، وَقَدْ ذَكَرْتُ شَرْحَ حَدِيثِ الْبَابِ مُسْتَوْفًى فِي الْبَابِ الْعَاشِرِ مِنْ كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي أَوَّلِ الصَّحِيحِ.
وَقَدِ اسْتَشْكَلَ ابْنُ بَطَّالٍ قَوْلَهُ: الْحُدُودُ كَفَّارَةٌ مَعَ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: مَا أَدْرِي الْحُدُودُ كَفَّارَةٌ لِأَهْلِهَا أَوْ لَا، وَأَجَابَ بِأَنَّ سَنَدَ حَدِيثِ عُبَادَةَ أَصَحُّ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الثَّانِيَ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ بِأَنَّ الْحُدُودَ كَفَّارَةٌ ثُمَّ أُعْلِمَ فَقَالَ الْحَدِيثَ الثَّانِيَ، وَبِهَذَا جَزَمَ ابْنُ التِّينِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.
وَقَدْ أُجِيبَ مَنْ تَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ لِأَجْلِ أَنَّ الْأَوَّلَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ مُتَأَخِّرُ الْإِسْلَامِ عَنْ بَيْعَةِ الْعَقَبَةِ، وَالثَّانِي وَهُوَ التَّرَدُّدُ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ مِمَّنْ بَايَعَ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ، وَبَيْعَةُ الْعَقَبَةِ كَانَتْ قَبْلَ إِسْلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِسِتِّ سِنِينَ.
وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ الْبَيْعَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ كَانَتْ مُتَأَخِّرَةً عَنْ إِسْلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِدَلِيلِ أَنَّ الْآيَةَ الْمُشَارَ إِلَيْهَا فِي قَوْلِهِ: وَقَرَأَ الْآيَةَ كُلَّهَا هِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا﴾ إِلَى آخِرهَا، وَكَانَ نُزُولُهَا فِي فَتْحِ مَكَّةَ وَذَلِكَ بَعْدَ إِسْلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِنَحْوِ سَنَتَيْنِ، وَقَرَّرْتُ ذَلِكَ تَقْرِيرًا بَيِّنًا.
وَإِنَّمَا وَقَعَ الْإِشْكَالُ مِنْ قَوْلِهِ هُنَاكَ: إِنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ - وَكَانَ أَحَدَ النُّقَبَاءِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ - قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا، فَإِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلِ الْبَيْعَةُ الَّتِي وَقَعَتْ فِي لَيْلَةِ الْعَقَبَةِ كَانَتْ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ وَالْمَنْشَطِ وَلْمَكْرَهِ إِلَخْ، وَهُوَ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ أَيْضًا كَمَا أَوْضَحْتُهُ هُنَاكَ.
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: دَخَلَ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ الْمُشْرِكُ، أَوْ هُوَ مُسْتَثْنًى، فَإِنَّ الْمُشْرِكَ إِذَا عُوقِبَ عَلَى شِرْكِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ كَفَّارَةً لَهُ بَلْ زِيَادَةً فِي نَكَالِهِ.
قُلْتُ: وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ، قَالَ: وَأَمَّا الْقَتْلُ فَهُوَ كَفَّارَةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْوَلِيِّ الْمُسْتَوْفِي لِلْقِصَاصِ فِي حَقِّ الْمَقْتُولِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَيْسَ بِحَقٍّ لَهُ بَلْ يَبْقَى حَقُّ الْمَقْتُولِ فَيُطَالِبُهُ بِهِ فِي الْآخِرَةِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ.
قُلْتُ: وَالَّذِي قَالَهُ فِي مَقَامِ الْمَنْعِ، وَقَدْ نَقَلْتُ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ