فَلْيَرْقُدْ، حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ وَفِيهِ: لِئَلَّا يَسْتَغْفِرَ فَيَسُبَّ نَفْسَهُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ هَذَا أَوْ مَعْنَاهُ، وَيَجِيءُ مِنَ الِاحْتِمَالِ مَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ. وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى الِاقْتِصَادِ فِي الْعِبَادَةِ، وَالنَّهْيُ عَنِ التَّعَمُّقِ فِيهَا، وَالْأَمْرُ بِالْإِقْبَالِ عَلَيْهَا بِنَشَاطٍ، وَفِيهِ إِزَالَةُ الْمُنْكَرِ بِالْيَدِ وَاللِّسَانِ، وَجَوَازُ تَنَفُّلِ النِّسَاءِ فِي الْمَسْجِدِ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى كَرَاهَةِ التَّعَلُّقِ فِي الْحَبْلِ فِي الصَّلَاةِ، وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ فِي بَابِ اسْتِعَانَةِ الْيَدِ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ أَبْوَابِ التَّطَوُّعِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ) يَعْنِي: الْقَعْنَبِيَّ، كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَفِي رِوَايَةِ الْحَمَوِيِّ، وَالْمُسْتَمْلِي: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَكَذَا رُوِّينَاهُ فِي الْمُوَطَّأِ رِوَايَةِ الْقَعْنَبِيِّ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: تَفَرَّدَ الْقَعْنَبِيُّ بِرِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ دُونَ بَقِيَّةِ رُوَاتِهِ، فَإِنَّهُمُ اقْتَصَرُوا مِنْهُ عَلَى طَرَفٍ مُخْتَصَرٍ.
قَوْلُهُ: (تَذْكُرُ) لِلْمُسْتَمْلِي بِفَتْحِ أَوَّلِهِ بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ الْمُؤَنَّثِ، وَلِلْحَمَوِيِّ بِضَمِّهِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ بِالتَّذْكِيرِ، ولِلكُشْمِيهَنِيِّ: فَذُكِرَ بِفَاءٍ، وَضَمِّ الْمُعْجَمَةِ، وَكَسْرِ الْكَافِ، وَلِكُلٍّ وَجْهٌ. وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ ذَلِكَ قَوْلُ عُرْوَةَ، أَوْ مَنْ دُونَهُ، وَعَلَى الثَّانِي وَالثَّالِثِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ عَائِشَةَ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ حَالٍ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهَا: لَا تَنَامُ اللَّيْلَ، وَوَصْفُهَا بِذَلِكَ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، وَسُئِلَ الشَّافِعِيُّ عَنْ قِيَامِ جَمِيعِ اللَّيْلِ فَقَالَ: لَا أَكْرَهُهُ، إِلَّا لِمَنْ خَشِيَ أَنْ يَضُرَّ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ. وَفِي قَوْلِهِ ﷺ فِي جَوَابِ ذَلِكَ: مَهْ إِشَارَةٌ إِلَى كَرَاهَةِ ذَلِكَ خَشْيَةَ الْفُتُورِ وَالْمَلَالِ عَلَى فَاعِلِهِ؛ لِئَلَّا يَنْقَطِعَ عَنْ عِبَادَةٍ الْتَزَمَهَا، فَيَكُونُ رُجُوعًا عَمَّا بَذَلَ لِرَبِّهِ مِنْ نَفْسِهِ.
وَقَوْلُهُ: (عَلَيْكُمْ مَا تُطِيقُونَ مِنَ الْأَعْمَالِ) هُوَ عَامٌّ فِي الصَّلَاةِ وَفِي غَيْرِهَا. وَوَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْإِيمَانِ بِدُونِ قَوْلِهِ: مِنَ الْأَعْمَالِ، فَحَمَلَهُ الْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى الصَّلَاةِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ فِيهَا، وَحَمْلُهُ عَلَى جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ أَوْلَى، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ بَقِيَّةُ فَوَائِدِ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَالْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا فِي بَابِ: أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهُ مِنْ كِتَابِ الْإِيمَانِ. وَمِمَّا يَلْحَقُ هُنَا أَنِّي وَجَدْتُ بَعْضَ مَا ذُكِرَ هُنَاكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ احْتِمَالًا فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ مِنَ الثَّوَابِ حَتَّى تَمَلُّوا مِنَ الْعَمَلِ، أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْمُزَّمِّلِ، وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مُدْرَجٌ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ رُوَاةِ الْحَدِيثِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
١٩ - بَاب مَا يُكْرَهُ مِنْ تَرْكِ قِيَامِ اللَّيْلِ لِمَنْ كَانَ يَقُومُهُ
١١٥٢ - حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ الْحُسَيْنِ قال:، حَدَّثَنَا مُبَشِّرُ، عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قال:، أَخْبَرَنَا الْأَوْزَاعِيُّ - قَالَ: حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ﵄ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ، كَانَ يَقُومُ من اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ. وَقَالَ هِشَامٌ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الْعِشْرِينَ قال: حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ ثَوْبَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بهذا، مِثْلَهُ. وَتَابَعَهُ عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ.
قَوْلُهُ: (بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ تَرْكِ قِيَامِ اللَّيْلِ لِمَنْ كَانَ يَقُومُهُ) أَيْ: إِذَا أَشْعَرَ ذَلِكَ بِالْإِعْرَاضِ عَنِ الْعِبَادَةِ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ حُسَيْنٍ) هُوَ بِمُوَحَّدَةٍ وَمُهْمَلَةٍ، بَغْدَادِيٌّ، يُقَالُ لَهُ: الْقَنْطَرِيُّ، أَخْرَجَهُ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا وَفِي الْجِهَادِ فَقَطْ. وَمُبَشِّرٌ بِوَزْنِ مُؤَذِّنٌ مِنَ الْبِشَارَةِ، وَعَبْدُ اللَّهِ الْمَذْكُورُ فِي الْإِسْنَادِ الثَّانِي هُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي سِيَاقِهِ بِالتَّحْدِيثِ فِي جَمِيعِ الْإِسْنَادِ، فَأُمِنَ تَدْلِيسُ الْأَوْزَاعِيِّ وَشَيْخِهِ.
قَوْلُهُ: (مِثْلَ فُلَانٍ) لَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَتِهِ فِي شَيْءٍ مِنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute