إِذَا شَارَكَ الْكَلْبَ فِي قَتْلِهِ كَلْبٌ آخَرُ، وَهُنَا الْأَثَرُ الَّذِي يُوجَدُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ سَهْمِ الرَّامِي أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَثَرَ سَهْمِ رَامٍ آخَرَ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْبَابِ الْقَاتِلَةِ فَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ مَعَ التَّرَدُّدِ، وَقَدْ جَاءَتْ فِيهِ زِيَادَةٌ مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ، وَالنَّسَائِيِّ، وَالطَّحَاوِيُّ بِلَفْظِ إِذَا وَجَدْتَ سَهْمَكَ فِيهِ وَلَمْ تَجِدْ بِهِ أَثَرَ سَبُعٍ وَعَلِمْتَ أَنَّ سَهْمَكَ قَتَلَهُ فَكُلْ مِنْهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ: يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ جَرَحَهُ ثُمَّ غَابَ ثُمَّ جَاءَ فَوَجَدَهُ مَيِّتًا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الْحِلُّ أَصَحُّ دَلِيلًا. وَحَكَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ كُلْ مَا أَصْمَيْتَ وَدَعْ مَا أَنْمَيْتَ: مَعْنَى مَا أَصْمَيْتَ مَا قَتَلَهُ الْكَلْبُ وَأَنْتَ تَرَاهُ، وَمَا أَنْمَيْتَ وَمَا غَابَ عَنْكَ مَقْتَلُهُ. قَالَ: وَهَذَا لَا يَجُوزُ عِنْدِي غَيْرُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِيهِ شَيْءٌ فَيَسْقُطُ كُلُّ شَيْءٍ خَالَفَ أَمْرَ النَّبِيِّ ﷺ وَلَا يَقُومُ مَعَهُ رَأْيٌ وَلَا قِيَاسٌ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ ثَبَتَ الْخَبَرُ يَعْنِي حَدِيثَ الْبَابِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُوَ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْ) يُؤْخَذُ سَبَبُ مَنْعِ أَكْلِهِ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَقَعُ التَّرَدُّدُ هَلْ قَتَلَهُ السَّهْمُ أَوِ الْغَرَقُ فِي الْمَاءِ؟ فَلَوْ تَحَقَّقَ أَنَّ السَّهْمَ أَصَابَهُ فَمَاتَ فَلَمْ يَقَعْ فِي الْمَاءِ إِلَّا بَعْدَ أَنْ قَتَلَهُ السَّهْمُ فَهَذَا يَحِلُّ أَكْلُهُ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إِذَا وُجِدَ الصَّيْدُ فِي الْمَاءِ غَرِيقًا حَرُمَ بِالِاتِّفَاقِ اهـ، وَقَدْ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ مَحِلَّهُ مَا لَمْ يَنْتَهِ الصَّيْدُ بِتِلْكَ الْجِرَاحَةِ إِلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ، فَإِنِ انْتَهَى إِلَيْهَا بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ مَثَلًا فَقَدْ تَمَّتْ ذَكَاتُهُ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي الْمَاءُ قَتَلَهُ أَوْ سَهْمُكُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إِذَا عَلِمَ أَنَّ سَهْمَهُ هُوَ الَّذِي قَتَلَهُ أَنَّهُ يَحِلُّ.
٥٤٨٥ - وَقَالَ عَبْدُ الْأَعْلَى، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَدِيٍّ أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: يَرْمِي الصَّيْدَ فيفتقر أَثَرَهُ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ ثُمَّ يَجِدُهُ مَيِّتًا وَفِيهِ سَهْمُهُ، قَالَ: يَأْكُلُ إِنْ شَاءَ.
قَوْلُهُ (وَقَالَ عَبْدُ الْأَعْلَى) يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الْأَعْلَى السَّامِيَّ بِالْمُهْمَلَةِ الْبَصْرِيَّ، وَدَاوُدُ هُوَ ابْنُ أَبِي هِنْدٍ، وَعَامِرٌ هُوَ الشَّعْبِيُّ، وَهَذَا التَّعْلِيقُ وَصَلَهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بِهِ.
قَوْلُهُ (فَيَفْتَقِرُ) بِفَاءٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ ثُمَّ قَافٍ أَيْ يَتْبَعُ فَقَارَهُ حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْهُ، وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ اقْتَصَرَ ابْنُ بَطَّالٍ، وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فَيَقْتَفِي أَيْ يَتْبَعَ، وَكَذَا لِمُسْلِمٍ، وَالْأَصِيلِيِّ وَفِي رِوَايَةِ فَيَقْفُو وَهِيَ أَوْجَهُ.
قَوْلُهُ (الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ) فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى رِوَايَةِ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَيَغِيبُ عَنْهُ اللَّيْلَةَ وَاللَّيْلَتَيْنِ وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ بِسَنَدٍ فِيهِ مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ إِذَا رَمَيْتَ سَهْمَكَ فَغَابَ عَنْكَ فَأَدْرَكْتَهُ فَكُلْ مَا لَمْ يُنْتِنْ وَفِي لَفْظٍ فِي الَّذِي يَدْرِكُ الصَّيْدَ بَعْدَ ثَلَاثٍ كُلْهُ مَا لَمْ يُنْتِنْ وَنَحْوُهُ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ قَرِيبًا، فَجَعَلَ الْغَايَةَ أَنْ يُنْتِنَ الصَّيْدُ فَلَوْ وَجَدَهُ مَثَلًا بَعْدَ ثَلَاثٍ وَلَمْ يُنْتِنْ حَلَّ، وَإِنْ وَجَدَهُ بدونها وَقَدْ أَنْتَنَ فَلَا، هَذَا ظَاهِرُ الْحَدِيثِ، وَأَجَابَ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ أَكْلِهِ إِذَا أَنْتَنَ لِلتَّنْزِيهِ، وَسَأَذْكُرُ فِي ذَلِكَ بَحْثًا فِي بَابِ صَيْدِ الْبَحْرِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الرَّامِيَ لَوْ أَخَّرَ الصَّيْدَ عَقِبَ الرَّمْيِ إِلَى أَنْ يَجِدَهُ أَنْ يَحِلَّ بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى اسْتِفْصَالٍ عَنْ سَبَبِ غَيْبَتِهِ عَنْهُ أَكَانَ مَعَ الطَّلَبِ أَوْ عَدَمِهِ، لَكِنْ يُسْتَدَلُّ لِلطَّلَبِ بِمَا وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ حَيْثُ قَالَ فَيَقْتَفِي أَثَرَهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْجَوَابَ خَرَجَ عَلَى حَسَبِ السُّؤَالِ، فَاخْتَصَرَ بَعْضُ الرُّوَاةِ السُّؤَالَ، فَلَا يَتَمَسَّكُ فِيهِ بِتَرْكِ الِاسْتِفْصَالِ. وَاخْتُلِفَ فِي صِفَةِ الطَّلَبِ: فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إِنْ أَخَّرَ سَاعَةً فَلَمْ يَطْلُبْ لَمْ يَحِلَّ، وَإِنِ اتَّبَعَهُ عَقِبَ الرَّمْيِ فَوَجَدَهُ مَيِّتًا حَلَّ. وَعَنِ الشَّافِعِيَّةِ لَا بُدَّ أَنْ يَتْبَعَهُ.
وَفِي اشْتِرَاطِ الْعَدْوِ وَجْهَانِ أَظْهَرُهُمَا يَكْفِي الْمَشْيُ عَلَى عَادَتِهِ حَتَّى لَوْ أَسْرَعَ وَجَدَهُ حَيًّا حَلَّ، وَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: لَا بُدَّ مِنَ الْإِسْرَاعِ قَلِيلًا لِيَتَحَقَّقَ صُورَةُ الطَّلَبِ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ نَحْوُ هَذَا الِاخْتِلَافِ.
٩ - بَاب إِذَا وَجَدَ مَعَ الصَّيْدِ كَلْبًا آخَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute