وَقَوْلُهُ: فَاضْطَجَعَ إِلَى الْجِدَارِ فِي الْمَسْجِدِ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: إِلَى جِدَارِ الْمَسْجِدِ، وَعَنْهُ فِي بَدَلَ إِلَى، وَفِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ: إِلَى الْجِدَارِ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ بِلَفْظِ: فَإِذَا هُوَ رَاقِدٌ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ يُقَوِّي رِوَايَةَ الْأَكْثَرِ هُنَا. وَقَوْلُهُ يَتَّبِعُهُ بِتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ وَالْعَيْنُ مُهْمَلَةُ، وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ: يَبْتَغِيهِ؛ بِتَقْدِيمِ الْمُوَحَّدَةِ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ، وَالْغَيْنُ مُعْجَمَةٌ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ. وَيُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ جَوَازُ تَكْنِيَةِ الشَّخْصِ بِأَكْثَرَ مِنْ كُنْيَةٍ، وَالتَّلْقِيبُ بِلَفْظِ الْكُنْيَةِ وَبِمَا يُشْتَقُّ مِنْ حَالِ الشَّخْصِ، وَأَنَّ اللَّقَبَ إِذَا صَدَرَ مِنَ الْكَبِيرِ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ تَلَقَّاهُ بِالْقَبُولِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَفْظُهُ لَفْظَ مَدْحٍ، وَأَنَّ مَنْ حَمَلَ ذَلِكَ عَلَى التَّنْقِيصِ لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ، وَهُوَ كَمَا كَانَ أَهْلُ الشَّامِ يَنْتَقِصُونَ ابْنَ الزُّبَيْرِ بِزَعْمِهِمْ حَيْثُ يَقُولُونَ لَهُ: ابْنُ ذَاتِ النِّطَاقَيْنِ، فَيَقُول: تِلْكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْكَ عَارُهَا.
قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: وَفِيهِ أَنَّ أَهْلَ الْفَضْلِ قَدْ يَقَعُ بَيْنَ الْكَبِيرِ مِنْهُمْ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ مَا طُبِعَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ مِنَ الْغَضَبِ، وَقَدْ يَدْعُوهُ ذَلِكَ إِلَى الْخُرُوجِ مِنْ بَيْتِهِ وَلَا يُعَابُ عَلَيْهِ. قُلْتُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ خُرُوجِ عَلِيٍّ خَشْيَةَ أَنْ يَبْدُوَ مِنْهُ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ مَا لَا يَلِيقُ بِجَنَابِ فَاطِمَةَ ﵄ فَحَسَمَ مَادَّةَ الْكَلَامِ بِذَلِكَ إِلَى أَنْ تَسْكُنَ فَوْرَةُ الْغَضَبِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا. وَفِيهِ كَرَمُ خُلُقِ النَّبِيِّ ﷺ لِأَنَّهُ تَوَجَّهَ نَحْوَ عَلِيٍّ لِيَتَرَضَّاهُ، وَمَسَحَ التُّرَابَ عَنْ ظَهْرِهِ لِيُبْسِطَهُ، وَدَاعَبَهُ بِالْكُنْيَةِ الْمَذْكُورَةِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ حَالَتِهِ، وَلَمْ يُعَاتِبْهُ عَلَى مُغَاضَبَتِهِ لِابْنَتِهِ مَعَ رَفِيعِ مَنْزِلَتِهَا عِنْدَهُ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ اسْتِحْبَابُ الرِّفْقِ بِالْأَصْهَارِ وَتَرْكُ مُعَاتَبَتِهِمْ إِبْقَاءً لِمَوَدَّتِهِمْ، لِأَنَّ الْعِتَابَ إِنَّمَا يُخْشَى مِمَّنْ يُخْشَى مِنْهُ الْحِقْدُ لَا مِمَّنْ هُوَ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ.
(تَنْبِيهٌ): أَخْرَجَ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِهِ مِنْ حَدِيثِ عَمَّارٍ أَنَّهُ كَانَ هُوَ وَعَلِيٌّ فِي غَزْوَةِ الْعُشَيْرَةِ فَجَاءَ النَّبِيُّ ﷺ فَوَجَدَ عَلِيًّا نَائِمًا وَقَدْ عَلَاهُ تُرَابٌ، فَأَيْقَظَهُ وَقَالَ لَهُ: مَالَكَ أَبَا تُرَابٍ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُحَدِّثُكَ بِأَشْقَى النَّاسِ؟ الْحَدِيثَ. وَغَزْوَةُ الْعُشَيْرَةِ كَانَتْ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلِيٌّ فَاطِمَةَ، فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا أَمْكَنَ الْجَمْعُ بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ تَكَرَّرَ مِنْهُ ﷺ فِي حَقِّ عَلِيٍّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَقِبَ الْقِصَّةِ الْمَذْكُورَةِ قَالَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ إِذَا غَضِبَ عَلَى فَاطِمَةَ فِي شَيْءٍ لَمْ يُكَلِّمْهَا، بَلْ كَانَ يَأْخُذُ تُرَابًا فَيَضَعُهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا رَأَى ذَلِكَ عَرَفَ، فَيَقُولُ: مَالَكَ يَا أَبَا تُرَابٍ؟ فَهَذَا سَبَبٌ آخَرُ يُقَوِّي التَّعَدُّدَ، وَالْمُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ حَدِيثُ سَهْلٍ فِي الْبَابِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
١١٤ - بَاب أَبْغَضِ الْأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ
٦٢٠٥ - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَخْنَى الْأَسْمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الْأَمْلَاكِ.
[الحديث ٦٢٠٥ - طرفه في: ٦٢٠٦]
٦٢٠٦ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رِوَايَةً قَالَ: "أَخْنَعُ اسْمٍ عِنْدَ اللَّهِ" وَقَالَ سُفْيَانُ غَيْرَ مَرَّةٍ "أَخْنَعُ الأَسْمَاءِ عِنْدَ اللَّهِ رَجُلٌ تَسَمَّى بِمَلِكِ الأَمْلَاكِ" قَالَ سُفْيَانُ يَقُولُ غَيْرُهُ تَفْسِيرُهُ شَاهَانْ شَاهْ
قَوْلُهُ: (بَابُ أَبْغَضِ الْأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ ﷿ كَذَا تَرْجَمَ بِلَفْظِ: أَبْغَضَ، وَهُوَ بِالْمَعْنَى. وَقَدْ وَرَدَ بِلَفْظِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute