الْبَيْهَقِيِّ، وَقَوْلُهُ ذَئِرَ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْهَمْزَةِ بَعْدَهَا رَاءٌ أَيْ نَشَزَ بِنُونٍ وَمُعْجَمَةٍ وَزَايٍ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ غَضِبَ وَاسْتَبَّ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ عَلَى الِاخْتِيَارِ وَالْإِذْنِ فِيهِ عَلَى الْإِبَاحَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ بِضَرْبِهِنَّ ثُمَّ أَذِنَ بَعْدَ نُزُولِهَا فِيهِ، وَفِي قَوْلِهِ لَنْ يَضْرِبَ خِيَارُكُمْ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ ضَرَبَهُنَّ مُبَاحٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَمَحِلُّ ذَلِكَ أَنْ يَضْرِبَهَا تَأْدِيبًا إِذَا رَأَى مِنْهَا مَا يَكْرَهُ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهَا فِيهِ طَاعَتُهُ، فَإِنِ اكْتَفَى بِالتَّهْدِيدِ وَنَحْوِهِ كَانَ أَفْضَلَ، وَمَهْمَا أَمْكَنَ الْوُصُولُ إِلَى الْغَرَضِ بِالْإِيهَامِ لَا يَعْدِلُ إِلَى الْفِعْلِ، لِمَا فِي وُقُوعِ ذَلِكَ مِنَ النَّفْرَةِ الْمُضَادَّةِ لِحُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ الْمَطْلُوبَةِ فِي الزَّوْجِيَّةِ، إِلَّا إِذَا كَانَ فِي أَمْرٍ يَتَعَلَّقُ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ فِي الْبَابِ حَدِيثَ عَائِشَةَ: مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ امْرَأَةً لَهُ وَلَا خَادِمًا قَطُّ، وَلَا ضَرَبَ بِيَدِهِ شَيْئًا قَطُّ إِلَّا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ تُنْتَهَكُ حُرُمَاتُ اللَّهِ فَيَنْتَقِمُ لِلَّهِ وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ فِي ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ إِنْ شَاءَ اللَّهِ تَعَالَى.
٩٤ - بَاب لَا تُطِيعُ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا فِي مَعْصِيَةٍ
٥٢٠٥ - حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ، عَنْ الْحَسَنِ - هُوَ ابْنُ مُسْلِمٍ -، عَنْ صَفِيَّةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ زَوَّجَتْ ابْنَتَهَا، فَتَمَعَّطَ شَعَرُ رَأْسِهَا، فَجَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَتْ: إِنَّ زَوْجَهَا أَمَرَنِي أَنْ أَصِلَ فِي شَعَرِهَا فَقَالَ: لَا، إِنَّهُ قَدْ لُعِنَ الْمُوصِلَاتُ.
[الحديث ٥٢٠٥ - طرفه في: ٥٩٣٤]
قَوْلُهُ (بَابُ لَا تُطِيعُ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ) لَمَّا كَانَ الَّذِي قَبْلَهُ يُشْعِرُ بِنَدْبِ الْمَرْأَةِ إِلَى طَاعَةِ زَوْجِهَا فِي كُلِّ مَا يَرُومُهُ خُصِّصَ ذَلِكَ بِمَا لَا يَكُونُ فِيهِ مَعْصِيَةُ اللَّهِ، فَلَوْ دَعَاهَا الزَّوْجُ إِلَى مَعْصِيَةٍ فَعَلَيْهَا أَنْ تَمْتَنِعَ، فَإِنْ أَدَّبَهَا عَلَى ذَلِكَ كَانَ الْإِثْمُ عَلَيْهِ.
ثم ذَكَرَ فِيهِ طَرَفًا مِنْ حَدِيثِ الَّتِي طَلَبَتْ أَنْ تَصِلَ شَعْرَ ابْنَتِهَا، وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَوْلُهُ (إِنَّهُ قَدْ لُعِنَ الْمُوَصِّلَاتُ) كَذَا بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، وَالْمُوَصِّلَاتُ بِتَشْدِيدِ الصَّادِ الْمَكْسُورَةِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا، وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ الْمُوَصَّلَاتُ وَهُوَ يُؤَيِّدُ رِوَايَةَ الْفَتْحِ
٩٥ - بَاب ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا﴾
٥٢٠٦ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ ﵂: (﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا﴾ قَالَتْ: هِيَ الْمَرْأَةُ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ لَا يَسْتَكْثِرُ مِنْهَا فَيُرِيدُ طَلَاقَهَا وَيَتَزَوَّجُ غَيْرَهَا، تَقُولُ لَهُ: أَمْسِكْنِي وَلَا تُطَلِّقْنِي ثُمَّ تَزَوَّجْ غَيْرِي، فَأَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْ النَّفَقَةِ عَلَيَّ وَالْقِسْمَةِ لِي، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾.
قَوْلُهُ (بَابُ ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا﴾ لَيْسَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ أَوْ إِعْرَاضًا وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَابُ وَحَدِيثُهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ النِّسَاءِ، وَسِيَاقُهُ هُنَا أَتَمُّ، وَذَكَرْتُ هُنَاكَ سَبَبَ نُزُولِهَا وَفِيمَنْ نَزَلَتْ. وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِيمَا إِذَا تَرَاضَيَا عَلَى أَنْ لَا قِسْمَةَ لَهَا هَلْ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيٍّ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنْ عُبَيْدَةَ بْنِ عَمْرٍو، وَإِبْرَاهِيمَ، وَمُجَاهِدٍ، وَغَيْرِهِمْ: إِنْ رَجَعَتْ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْسِمَ لَهَا وَإِنْ شَاءَ