لِضَرُورَةِ صِدْقِ مَنْ دَلَّتِ الْمُعْجِزَةُ عَلَى صِدْقِهِ، وَأَمَّا إِذَا جَاءَ عَلَى لِسَانِ مَنْ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْكَذِبُ بَلْ عَلَى لِسَانِ مَنْ أَخْبَرَ الصَّادِقُ عَنْ نَوْعِهِ بِالْكَذِبِ وَالتَّحْرِيفِ كَذَّبْنَاهُ وَقَبَّحْنَاهُ، ثُمَّ لَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَرَّحَ بِتَصْدِيقِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ تَصْدِيقًا لَهُ فِي الْمَعْنَى بَلْ فِي اللَّفْظِ الَّذِي نَقَلَهُ مِنْ كِتَابِهِ عَنْ نَبِيِّهِ، وَنَقْطَعُ بِأَنَّ ظَاهِرَهُ غَيْرُ مُرَادٍ، انْتَهَى مُلَخَّصًا.
وَهَذَا الَّذِي نَحَا إِلَيْهِ أَخِيرًا أَوْلَى مِمَّا ابْتَدَأَ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الطَّعْنِ عَلَى ثِقَاتِ الرُّوَاةِ وَرَدِّ الْأَخْبَارِ الثَّابِتَةِ، وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى خِلَافِ مَا فَهِمَهُ الرَّاوِي بِالظَّنِّ لَلَزِمَ مِنْهُ تَقْرِيرُ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى الْبَاطِلِ وَسُكُوتُهُ عَنِ الْإِنْكَارِ، وَحَاشَا لِلَّهِ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدِ اشْتَدَّ إِنْكَارُ ابْنِ خُزَيْمَةَ عَلَى مَنِ ادَّعَى أَنَّ الضَّحِكَ الْمَذْكُورَ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ، فَقَالَ بَعْدَ أَنْ أَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ مِنْ صَحِيحِهِ بِطَرِيقِهِ، قَدْ أَجَلَّ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ ﷺ عَنْ أَنْ يُوصَفَ رَبُّهُ بِحَضْرَتِهِ بِمَا لَيْسَ هُوَ مِنْ صِفَاتِهِ، فَيَجْعَلُ بَدَلَ الْإِنْكَارِ وَالْغَضَبِ عَلَى الْوَاصِفِ ضَحِكًا، بَلْ لَا يُوصِفُ النَّبِيُّ ﷺ بِهَذَا الْوَصْفِ مَنْ يُؤْمِنُ بِنُبُوَّتِهِ، وَقَدْ وَقَعَ الْحَدِيثُ الْمَاضِي فِي الرِّقَاقِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رَفَعَهُ: تَكُونُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُبْزَةً وَاحِدَةً يَتَكَفَّؤُهَا الْجَبَّارُ بِيَدِهِ كَمَا يَتَكَفَّؤُ أَحَدُكُمْ خُبْزَتَهُ. الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: أَنَّ يَهُودِيًّا دَخَلَ فَأَخْبَرَ بِمِثْلِ ذَلِكَ، فَنَظَرَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى أَصْحَابِهِ ثُمَّ ضَحِكَ.
٢٠ - بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: لَا شَخْصَ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ
وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ: لَا شَخْصَ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ
٧٤١٦ - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّبُوذَكِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ وَرَّادٍ كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَحٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: تَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ، وَاللَّهِ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي، وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَلَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنْ اللَّهِ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ الْمُبَشِّرِينَ وَالْمُنْذِرِينَ، وَلَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمِدْحَةُ مِنْ اللَّهِ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ اللَّهُ الْجَنَّةَ.
قَوْلُهُ: (بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ لَا شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ) كَذَا لَهُمْ وَوَقَعَ عِنْدَ ابْنِ بَطَّالٍ بِلَفْظِ: أَحَدَ بَدَلَ شَخْصَ، وَكَأَنَّهُ مِنْ تَغْيِيرِهِ.
قَوْلُهُ: (عَبْدِ الْمَلِكِ) هُوَ ابْنُ عُمَيْرٍ وَالْمُغِيرَةُ هُوَ ابْنُ شُعْبَةَ، كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي أَوَاخِرِ الْحُدُودِ وَالْمُحَارِبِينَ، فَإِنَّهُ سَاقَ مِنَ الْحَدِيثِ هُنَاكَ بِهَذَا السَّنَدِ إِلَى قَوْلِهِ: وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي، وَتَقَدَّمَ شَرْحُ الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ هُنَاكَ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى غَيْرَةِ اللَّهِ فِي شَرْحِ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَنَّ الْكَلَامَ عَلَيْهِ تَقَدَّمَ فِي شَرْحِ حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي كِتَابِ الْكُسُوفِ. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: الْمُنَزِّهُونَ لِلَّهِ إِمَّا سَاكِتٌ عَنِ التَّأْوِيلِ وَإِمَّا مُؤَوِّلٌ، وَالثَّانِي يَقُولُ الْمُرَادُ بِالْغَيْرَةِ الْمَنْعُ مِنَ الشَّيْءِ وَالْحِمَايَةُ، وَهُمَا مِنْ لَوَازِمِ الْغَيْرَةِ فَأُطْلِقَتْ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ كَالْمُلَازَمَةِ، وَغَيْرِهَا مِنَ الْأَوْجُهِ الشَّائِعَةِ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ اللَّهِ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ الْمُنْذِرِينَ وَالْمُبَشِّرِينَ) يَعْنِي الرُّسُلَ، وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: بَعَثَ الْمُرْسَلِينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ، وَهِيَ أَوْضَحُ، وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: وَلِذَلِكَ أَنْزَلَ الْكُتُبَ وَالرُّسُلَ، أَيْ: وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: هُوَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute